موقع الحكومة المغربية

الحكومة المغربية.. أغلبية منسجمة بخارطة طريق متجددة تساير الأولويات وتواجه التحديات

أقـرَّت الحكومـة فـي بدايـة ولايتهـا برنامـج عمـل طمـوح يسـتجيب لتطلعـات المواطنـات والمواطنيـن، ويتوخى امتصــاص تداعيــات الأزمة الوبائيــة العالميــة علــى الظــروف الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، وتعهــدت بتفعيله على أرض الواقع وتحمل تكاليفه، في إطار من الانسجام والتنسـيق بيـن مكونـات الأغلبية الحكومية.

وشــكَّل ميثــاق الأغلبية الحكوميــة الموقــع عليــه فــي 6 دجنبــر 2021 المنطلــق مــن مرجعيــة وطنيــة ومبــادئ أساسـية مشـتركة وأهـداف اسـتراتيجية متفـق عليهـا، أحــد الآليات المعتمــدة لمصاحبــة تنز يــل البرنامــج الحكومـي وتتبـع تنفيـذه وتقييمـه. كمـا شـكل التفاعـل الإيجابي للحكومــة مــع مختلــف توصيــات مؤسســات وهيئات الحكامة، ذات الطابع الاستشاري أو التقريري، أحــد المرجعيــات التــي اعتمدتهــا الحكومــة مــن أجــل الترسـيخ التدريجـي لمبـادئ الحكامـة الجيـدة وفقـا لمـا نـص عليـه دسـتور المملكـة، ولتجويـد العمـل الحكومي فــي تنزيــل الأوراش التنمويــة الكبــرى التــي انخرطــت فيهــا بلادنا.

وطبعت إكراهات دولية وداخلية حادة النصف الأول من هـذه الولايـة، كان مـن المفتـرض أن تحـد مـن طموحات البرنامـج الحكومـي، أو علـى الأقل أن تبطـئ مـن وتيـرة تنزيـل الحكومـة لالتزاماتها. إلا أن الحكومـة لـم تتـوانَ عــن تنزيــل برنامجهــا الحكومــي علــى الوجــه المطلــوب، وأبانــت عــن قــوة انســجامها وإرادتهــا لمواجهــة الإشكاليات، سـواء الظرفيـة الراهنة منهـا أو الهيكلية الموروثة، واعتمدت مقاربات جديدة لتدبير السياسات العموميـة، تحمـل فـي طياتها حلولا بنـاءة وموضوعية لخدمـة المواطنيـن.

انسجام مكونات الأغلبية

منـذ بدايـة الولايـة الحكوميـة الحاليـة، أسسـت مكونات الأغلبية لتعاقــد سياســي وأخلاقي، مــن أجــل بلــوغ الأهداف المســطرة فــي البرنامــج الحكومــي، الــذي يعكـس الالتزامات الانتخابية للأغلبية، والتـي تتحمـل بإنصـاف وتضامـن تكاليفـه المحتملـة كمـا مكتسـباته المنتظــرة.

وضمانــا للتنزيــل الأمثل للبرنامــج الحكومــي، تعاهــدت مكونــات الأغلبية علــى خــوض تجربــة سياســية جديــدة بثقافـة تدبيريـة مغايرة، وفـق أولويات واضحـة، وأجندة زمنيــة محــددة، وبمنهجيــة جديــدة تقــوم علــى التعــاون البنــاء والاحتــرام المتبــادل بيــن مكونــات التحالــف، وتقطـع مـع أسـاليب الماضـي التـي حالـت دون الارتقاء بمؤسســات التحالــف إلــى هيئــات لصناعــة الحلــول.

كمــا تحلــت كافــة مكونــات الأغلبية الحكوميــة، بقيــم التضامـن الجماعـي والتنسـيق المسـتمر والتكامـل في المهــام والمنجــزات؛ وقــد تجلــت معالــم هاتــه القيــم الإيجابية فـي العديـد مـن المواقـف، مـن قبيـل قضيـة إصلاح منظومــة التعليــم، والتنســيق والتــآزر بيــن الحكومة وأغلبيتها أثناء التصويت على مشاريع قوانين الماليــة، ومشــاريع القوانيــن المتعلقــة بالمنظومــة الصحيــة وبمنظومــة الدعــم الاجتماعي، وغيرهــا مــن المحطـات التـي أثبتـت تماسـك الأغلبية وانسـجامها.

ولــم يكــن مــن اليســير أبــدا، بلــوغ هاتــه الأهداف السياسـية والدسـتورية في هـذا الحيـز الزمنـي القصير، لولا حس المسؤولية الوطنية وروح التشاور والتعاون ونكـران الـذات؛ التـي أبداهـا أعضـاء الحكومـة ومكونـات الأغلبية ومؤسسـاتها التقريرية، قصد تذليل الصعاب وتمهيـد الطريـق نحـو تحالـف حكومـي يخـدم الوطـن.

واليــوم، تؤســس الحصيلــة المرحليــة لهــذا التحالــف لشـرعية إنجازاتـه المحققـة لفائـدة المواطنين والأسر المغربيـة، ضمـن ديناميـة يقودهـا جلالة الملـك نصـره الله، تبتغـي تحقيـق انتظـارات المواطنـات والمواطنين في العيش الكريم ومواجهة مختلف التحديات المركبة التي تواجهها بلادنا، سواء منها الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التنموية.

إن الحصيلـة المرحليـة للحكومـة تؤكـد بما لا يـدع مجالا للشــك، أن الحكومــة اســتطاعت النجــاح فــي ترســيخ أسـس الدولـة الاجتماعية، إضافـة إلـى ربـح التحديـات والرهانــات التــي واجهتهــا، مــن خـلال الانخراط الكلــي لمختلــف مكوناتهــا فــي كل المبــادرات التنمويــة، دون الارتكان إلـى تدبيـر الأزمات الظرفيـة فقـط، مـا مكنهـا مـن رفع التحدي التنموي، في ظرفيـة اقتصادية صعبة وغيــر مســتقرة.

ولا شـك فـي أن تكامـل القـدرات والأدوار بيـن مكونـات التحالــف الحكومــي، الــذي تتوفــر فيــه عوامــل النجــاح وصناعــة التغييــر المنشــود، تحــت القيــادة الملكيــة الســامية، ســيضاعف مــن منســوب النتائــج الإيجابية لهاتـه الحكومـة، خاصـة وأن كل مكوناتهـا تشـعر بثقـل الأمانة والمســؤولية الملقــاة علــى عاتقهــا فــي هاتــه اللحظــة السياســية المفصليــة، وتــدرك أن الثقــة التــي وضعــت فيهــا مــن طــرف جلالة الملــك ومــن طــرف الشـعب المغربـي، تسـتوجب العمل الجماعـي لتحقيق مــا ورد فــي البرنامــج الحكومــي كامــلا.

التقائية البرنامج الحكومي

تجمــع بيــن مكونــات الحكومــة مســؤولية سياســية تهــدف اســترجاع ثقــة المواطنــات والمواطنيــن، مــن خــلال التزامهــا بمشــروع سياســي وتنمــوي مشــترك، يعكســه البرنامــج الحكومــي، وتحركــه رغبــة جماعيــة تبتغــي الدفــع بالعمــل الحكومــي إلــى تحقيــق الفعاليــة والمردوديــة والجــدوى.

ولعـل أبـرز تجليـات الانسجام والتنسـيق بيـن مكونـات الحكومة تتمثـل فيما تم تحقيقه على أرض الواقع، في ظـرف سـنتين ونصـف مـن الاشتغال مـن مكتسـبات، تتوافـق وأولويـات البرنامـج الحكومـي بمـا يخـدم الأسر المغربيـة.

ومــا كان لهــذه المنجــزات الحكوميــة أن تتحقــق لولا أن الحكومــة أسســت لفلســفة مبتكــرة فــي تدخلاتها، تعتمــد علــى مبــادئ الالتقائية وانســجام السياســات فــي بعدهــا الشــمولي.

هــذه الفلســفة المبتكــرة فــي الاشتغال ظهــرت جليــا علـى سـبيل المثـال، فـي تدبيـر الحكومـة، انسـجاما مـع التعليمــات الســامية لصاحــب الجلالة، لفاجعــة زلــزال الحــوز، حيــث خلقــت لجنــة بين- وزاريــة مكلفــة ببرنامــج إعـادة البنـاء والتأهيـل العـام للمناطـق المتضـررة مـن زلــزال الحــوز، والتــي عقــدت إلــى حــدود اليــوم تســعة اجتماعــا بحضــور مختلــف القطاعــات ا لوزاريــة المتدخلــة، مــن أجــل المواكبــة الحثيثــة لأوراش إعــادة بنــاء وتأهيــل المناطــق المتضــررة.

وتجلــت نفــس المقاربــة التــي تعتمــد التنســيق والالتقائية، فـي برامـج أخـرى علـى غـرار تدبيـر إشـكالية الماء، وبرنامج تقليص الفـوارق الاجتماعية والمجالية، الــذي حققــت مــن خلاله بلادنا نتائــج إيجابيــة بفضــل وضــع آليــة بين-وزاريــة تســهر علــى ضمــان الاندماج القطاعـي والتقائيـة التدخلات بالعالـم القـروي، إضافـة إلـى تنزيـل ورش تعميـم الحمايـة الاجتماعية مـن خـلال إحـداث لجنـة قيـادة مركزيـة يعهـد إليهـا التنسـيق بيـن مختلــف القطاعــات الوزاريــة والمؤسســات المتدخلــة فــي تدبيــر ورش الحمايــة الاجتماعية.

كمـا ظهرت نفس المقاربة في تدبيـر الحكومة لملفات أخرى على غرار التشغيل، والتعليم، والحوار الاجتماعي، والتــي أكــدت فيهــم الحكومــة وفاءهــا لفلســفتها فــي الاشتغال، المبنيــة علــى التنســيق والالتقائية فــي تنزيلهـا لمختلـف السياسـات العموميـة.

ولعـل مـا حققتـه هـذه التجربـة الحكوميـة، مـن تدخلات اســتثنائية لمواجهــة الظرفيــة الصعبــة، وأخــرى ذات طابع هيكلي مستدام، لم تكن لترى النور، لولا تماسك الأغلبية وانســجام مكوناتهــا. وهــو مــا أهلهــا لقيــادة مشــروع مجتمعــي ناجــع يتلاءم مــع انتظــارات الأسر ويهدف إلى توسـيع دائـرة الكرامة والسـلم الاجتماعي.

الحكومة ومؤسسات الحكامة

تحـرص الحكومـة علـى خلـق تفاعـل إيجابـي مـع مختلـف مؤسسـات وهيئـات الحكامة ذات الطابع الاستشاري أو التقريــري، وعيــا منهــا بــأن التكامــل فــي الأدوار فــي إطـار النسـق المؤسسـي العـام للدولـة، يشـكل مدخلا أساسـيا لترسـيخ مبـادئ الحكامـة الجيـدة التـي كرسـها دسـتور المملكـة.

وفـي هـذا الصـدد، تسـهر الحكومـة علـى التفاعـل إيجابـا مــع الملاحظات المضمنــة فــي التقاريــر التــي تصدرهــا مؤسسـات وهيئات الحكامة، والتعقيب عليها وتقديم المعطيات والتوضيحات الضرورية بشأنها. كما تعمل علـى تنفيـذ التوصيـات التـي تصدرهـا والتـي تـروم تجويـد العمـل الحكومـي فـي مختلـف المجالات، لاسـيما فيما يتعلـق بتنزيـل الأوراش التنمويـة الكبرى التـي انخرطت فيهـا الحكومـة. كما تعمل علـى مواكبتها قصد تيسـير إنجازهــا لمهامهــا علــى أكمــل وجــه وفــي احتــرام تــام لاستقلاليتها، وقـد أثبتـت الممارسـة العمليـة أهميـة التجـاوب الفعـال بيــن الحكومــة ومختلــف هــذه المؤسســات والهيئــات.

ففيمــا يخــص المجلــس الأعلى للحســابات، تعمــل الحكومـة علـى تتبـع توصياته فـي مختلـف المجالات، وقد تم في هـذا الإطار إحـداث وحـدة متخصصة على مسـتوى رئاسـة الحكومـة، مـن أجـل التتبـع المنتظـم والمتواصـل للإجراءات المتخــذة لتنفيــذ توصيــات المجلــس مــن طـرف القطاعـات الوزاريـة المعنيـة والأجهزة العموميـة الخاضعـة لوصايتهـا، عبـر إدخالهـا فـي المنصـة الرقميـة التــي أحدثهــا المجلــس الأعلى للحســابات لهــذا الغــرض والتــي تضمنــت 389 توصيــة نفــذت منهــا، كليــا أو جزئيــا، 253، أي بنســبة 65%، ويبقــى تنفيــذ 35% منهــا محفوفــا ببعــض الصعوبــات القانونيــة أو التقنيــة أو الزمنيــة.

كمـا تحـرص الحكومة علـى تعزيـز التواصـل والتعـاون مع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتجدر الإشارة فـي هـذا الصـدد إلـى الجهـود الحثيثـة التي تبذلهــا الحكومــة مــن أجــل إرســاء الأسس التشــريعية والمؤسسية للوقاية من الفساد ومكافحته. وقد مكنت هــذه الجهــود مــن تحقيــق العديــد مــن المكاســب، علــى مســتوى تعزيــز فعاليــة الإدارة والرفــع مــن نجاعتهــا، لاسيما مــن خـلال تبســيط المســاطر الإدارية وتســريع التحـول الرقمـي.

وحرصــا مــن الحكومــة علــى تكريــس البعــد الأخلاقي فــي ممارســة الأعمال وخلــق بيئــة مواتيــة للاستثمار ودعــم التنافســية، تــم إدراج قيــم النزاهــة والشــفافية والوقايــة مــن الفســاد كدعامــة أفقيــة ضمــن خارطــة طريــق الاســتراتيجية الجديــدة لتحســين منــاخ الأعمال في أفق سـنة 2026 والتي تم إطلاق 70% مـن المبادرات والمشـاريع التـي تضمنتهـا سـنة 2023 مـع بلـوغ نسـبة إنجازهــا أزيــد مــن 40%.

أما فيمـا يتعلـق بمكافحة غسـل الأموال، فـإن الحكومة، وتنفيــذا للتوجيهــات الملكيــة الســامية، تبــذل جهــودا متواصلة من أجـل الرفع مـن فعالية المنظومـة الوطنية لمكافحـة غسـل الأموال وتمويـل الإرهاب، لاسيما مـن خلال الهيئـة الوطنيـة للمعلومـات الماليـة المحدثـة لـدى رئاســة الحكومــة. وقــد تــم فــي هــذا الإطار، وبتنســيق  تــام مــع جميــع الفاعليــن المعنييــن، إجــراء العديــد مــن الإصلاحات التشـريعية والمؤسسـاتية والتنظيميـة التي تـروم الرفـع مـن مسـتوى التـزام بلادنا بالمعاييـر الدوليـة ذات الصلـة، وتوجـت هـذه المجهـودات بخـروج بلادنا مـن مسلســل المتابعــة المعــززة، أو مــا يعــرف بـ”اللائحة الرماديـة” لمجموعـة العمـل المالـي (GAFI)، وذلـك خـلال أشــغال الاجتماع العــام للمجموعــة المنعقــد بباريــس مـن 20 إلـى 24 فبرايـر 2023. وفيمــا يخــص مؤسســة الوســيط، تتواصــل الحكومــة بشــكل منتظــم مــع هــذه المؤسســة، حيــث تتلقــى التوصيــات المتعلقــة بالشــكايات والتــي بلــغ عددهــا 168 توصيــة ســنة 2022، تــم التفاعــل بشــكل إيجابــي مــع 115 منهــا وتبقــى 53 منهــا محاطــة ببعــض الصعوبــات علــى مســتوى التنفيــذ.

التوازنات الماكرو اقتصادية.. التزام ثابت وأولوية كبرى للحكومة

جعلــت الحكومــة مــن اســتقرار التوازنــات الماكرو اقتصادية إحدى أولوياتها الكبرى، حتى تضمن فعاليــة البرامــج الاقتصادية والاجتماعية المعتمــدة وتوفــر الشــروط الملائمة للمبــادرات الاستثمارية الخاصــة. إذ يتشــكل البرنامــج الحكومــي مــن أوراش وسياســات عموميــة تتماشــى مــع طموحــات بلادنا الداخليــة والتزاماتهــا الدوليــة، تســتلزم مســاهمة مختلـف الفاعليـن الاقتصاديين والاجتماعيين وتوفيـر إطــار ماكــرو اقتصــادي مســتقر ومحفــز، حتــى تحقــق الأهداف التنمويــة المتوخــاة منهــا.

 ووعيـا منهـا بأهمية هـذه المقاربة، اجتهـدت الحكومة لتحسـين فعاليـة الماليـة العموميـة لبلادنا، مـن خـلال الحفـاظ علـى النفقـات العمومية في مسـتويات جيدة، وتعبئــة هوامــش ماليــة إضافيــة، فضــلا عــن تحقيــق تــوازن مريــح فيمــا يتعلــق بعائــدات العملــة الصعبــة، والحفـاظ علـى نسـب النمـو فـي مسـتويات جيـدة، مـع كســب ثقــة المؤسســات الاقتصادية الدوليــة، رغــم صعوبـة الظرفيـة الراهنـة.

إن النصــف الأول مــن الولايــة الحكوميــة تميــز ببــزوغ إكراهــات دوليــة وداخليــة حــادة، حيــث عــرف المحيــط الدولــي توتــرات جيو-إســتراتيجية ناجمــة عــن الحــرب الروســية-الأوكرانية، أدت إلــى ارتفــاع مهــول لأســعار النفــط والمــواد الأولية، نتــج عنــه تســجيل مســتويات قياســية للتضخــم وتباطــؤ غيــر مســبوق فــي حجــم المبادلات التجاريـة والنمـو الاقتصادي العالمـي. فقـد بلــغ معــدل التضخــم مــا يعــادل 7,8% علــى الصعيــد العالمـي خـلال سـنة 2022 قبـل أن يتراجـع نسـبيا إلـى 5,7% في سـنة 2023.

بالموازاة لذلك، انخفضت نسبة النمــو الاقتصادي العالمــي مــن 3,5% ســنة 2022 إلــى 3,1% ســنويا بالمتوســط خــلال الفتــرة 2026-2024 ولــم يكــن المغــرب بمنــأى عــن التأثيــرات الســلبية لمحيطــه الدولــي، والتــي تعمقــت بســبب موجــة حــادة مـن الجفاف خلال السـنوات الثلاث الأولى مـن العمل الحكومـي، بالإضافة إلـى تعـرض منطقـة الحـوز صيـف الســنة الفارطــة لزلــزال يعــد الأعنف فــي تاريــخ بلادنا المعاصــر.

ورغــم كل هــذه الظــروف، التزمــت الحكومــة بتنفيــذ برامجهــا الاستثمارية والاجتماعية عبــر سياســة ميزانياتيـة إراديـة، حيـث رفعـت مـن مسـتوى النفقـات الإجمالية الجاريــة العموميــة إلــى 27,6% مــن الناتــج الداخلــي الخــام ســنتي 2022 و2023 مقابــل 24% ســنة 2021. كمــا اعتمــدت العديــد مــن الإجراءات الضريبيــة والميزاناتيــة بهــدف الحفــاظ علــى القــدرة الشــرائية للمواطنيــن والقــدرة التنافســية للاقتصاد الوطنــي، لاسيما مــن خــال الرفــع مــن مخصصــات المقاصــة.

وتمكــن الاقتصاد الوطنــي مــن الحفــاظ علــى توازناتــه الماليــة، الداخليــة والخارجيــة، وتحقيــق مردوديــة اقتصاديــة تبقــى إيجابيــة بالمقارنــة مــع المســتوى العالمــي. حيــث أن القطــاع غيــر الفلاحــي اســتطاع أن يحافــظ علــى وتيــرة نمــوه فــي 3% كمتوســط ســنوي، وذلك راجع بالأساس إلى تحسن نمو قطاع الخدمات بمعــدل 5% و4,4% علــى التوالــي ســنتي 2022 و2023 وانتقـل النمـو الاقتصادي الوطنـي إجمالا، رغـم توالـي سـنوات الجفـاف، مـن 1,3% سـنة 2022 إلى 3,2% سـنة 2023 ومــن المتوقــع أن يصــل، حســب الإسقاطات الماكــرو اقتصاديــة، إلــى 3,8% ســنويا فــي المتوســط خــلال الفتــرة 2026-2024.

كما بلغ معدل التضخم 6,6% خلال سنة 2022 ليتراجع إلـى 6,1% خـلال سـنة 2023 ومـن المرتقـب أن ينخفـض إلى أقـل من 3% خلال سـنة 2024، إذ أخذ منحـى تنازليا منـذ الفصـل الثانـي مـن سـنة 2023 لينتقـل مـن 10,1% فـي شـهر فبرايـر، إلـى 8,2% فـي شـهر مـارس، و 4,9% فـي شـهر يوليـوز، و%4,3 فـي شـهر أكتوبـر، و4,3% فـي شـهر دجنبـر 2023. ليصـل فـي فبرايـر 2024 إلـى 0,3% .

وحسـب توقعات بنـك المغرب، من المرتقـب أن يناهز معـدل التضخم 2,2% سـنة 2024 وبفضــل الرؤيــة الاســتراتيجية والإدارة الرشــيدة التــي انتهجتهــا المملكــة لمواجهــة الأزمة وإنعــاش  الاقتصاد، واصلــت بلادنا سياســتها الراميــة إلــى الإصـلاح التدريجــي للنظــام الضريبــي، ممــا مكــن مــن تحسـين الإيرادات الضريبيـة وغيـر الضريبيـة وتوطيـد المداخيل الجارية، حيـث مثلت ما يناهز 23% من الناتج الداخلـي سـنة 2023 عـوض 20% سـنة 2021.

وفـي ظل هــذا التطــور، انخفــض عجــز الميزانيــة إلــى 4,4% مــن الناتـج الداخلـي الإجمالي مـع نهايـة عـام 2023 مقابـل 5,4% سـنة 2022 و5,5% سـنة 2021. ولا تزال الحكومة ملتزمــة بتحقيــق هــدف 4% فــي عجــز الميزانيــة ســنة 2024 والعــودة إلــى مســتوى 3% بحلــول ســنة 2026. وتبعــا للتطــور الإيجابي لصــادرات المهــن الجديــدة للمغــرب، وكــذا تحقيــق مســتويات غيــر مســبوقة لتحويــلات المغاربــة المقيميــن بالخــارج ومداخيــل الســياحة، تــم احتــواء العجــز الجــاري لميــزان الأداءات الــذي انتقــل مــن 2,3% مــن الناتــج الداخلــي الإجمالي خـلال سـنة 2021 إلـى 3,5% فـي سـنة 2022، وإلـى 0,6 % ســنة 2023 بعدمــا ناهــز 3,8% فــي المتوســط خـلال فتــرة 2016-2019.

وفـي هـذا الإطار، تميـزت سـنة 2023 بخـروج المغـرب مــن اللائحة الرماديــة لمجموعــة العمــل GAFI، وكــذا اللائحة المماثلــة لاتحــاد الأوروبي، وهــو دليــل علــى مصداقيـة الإصلاحات الكبـرى والأوراش المهمة التي تقــوم بهــا بلادنا فــي مختلــف المجالات، وســيمكن هــذا التطــور مــن تعزيــز الثقــة فــي الاقتصاد الوطنــي وتحسـين منـاخ الأعمال فـي بلادنا، ممـا سـيتيح جلـب المزيد من الاستثمارات الخارجية وتسهيل العمليات الماليـة وتدفـق رؤوس الأموال، وسيسـاهم لا محالـة فــي تكريــس الاستقرار الماكرو-اقتصــادي لبلادنا.

الالتزامات الحكومية.. عقد راسخ لتعزيز الحوار الاجتماعي ومَأسَسته

تفعيــلا للرؤيــة الملكيــة الســامية التــي رفعــت الحــوار الاجتماعـي ومأسسـته إلـى مرتبـة خيـار اسـتراتيجي، بادرت الحكومـة فور تنصيبهـا إلى بناء علاقات شـراكة متينة مع الفرقـاء الاجتماعييـن، قصـد وضـع أسـس حـوار اجتماعـي منتظــم وتنفيــذ مختلــف الالتزامــات الاجتماعيــة الــواردة فـي البرنامـج الحكومـي، ودعـم وتحسـين القـدرة الشـرائية للمواطنــات والمواطنيــن، وذلــك رغــم صعوبــة الظرفيــة وانعكاسـات الأزمـات العالميـة المتتاليـة علـى الإمكانيـات الماليـة للدولـة.

وفــي هــذا الصــدد وبهــدف تعزيــز العدالــة الاجتماعيــة، اتخــذت الحكومــة مــن الحــوار الاجتماعــي وســيلة رئيســية لصناعـة الحلـول وتحقيـق معادلـة التشـغيل والاسـتثمار. فالحـوار ليس مجرد مسـألة إجرائية، بل هو مبدأ أساسـي يحكــم العلاقــة بيــن الحكومــة وشــركائها الاجتماعييــن، ويشـكل فضاء خصبا لبلورة الخيارات الاجتماعية وتحديد السياســات العامــة التــي تلبــي احتياجــات المواطنــات والمواطنيــن.

وبالنظـر إلـى الـدور الحيـوي الـذي يلعبـه الحـوار الاجتماعي، فقـد اتخـذت الحكومـة خطـوات مهمـة نحو إرسـاء أسـس تعاقد اجتماعـي جديد، وذلك من خلال وضع ميثاق وطني للحـوار الاجتماعـي، ملـزم لـكل الأطـراف، والـذي مـن شـأنه إعــادة الاعتبــار للعمــل النقابــي والمنظمــات النقابيــة وتمكينهــا مــن الاضطــلاع بأدوارهــا المتمثلــة فــي الدفــاع عـن الحقـوق والمصالـح الاجتماعيـة والاقتصاديـة للفئـات التـي تمثلهـا والنهـوض بهـا.

 إن الميثــاق الوطنــي للحــوار الاجتماعــي يشــكل ســابقة وطنية ويضـع معالم النموذج المغربـي للحوار الاجتماعي مـن خلال تكريـس مبدأ السـنة الاجتماعية وإرسـاء حكامة مبتكرة للحـوار وهيكلته على المسـتويين الوطني والترابي واتخـاذ آليـات ناجعـة لمواكبته.

 وإن مـن شـأن إقـرار مبـدأ السـنة الاجتماعيـة الـذي تبنـاه الميثاق، القطع مع الطابع الموسـمي الذي كان يكتسيه الحوار الاجتماعي وإضفاء دينامية جديدة ترتكز على مبادئ الانتظـام والاسـتمرارية وتمكـن مـن تتبـع السـير الميداني للاتفاقيـات المبرمـة علـى المسـتويين القطاعـي والترابـي وتتيـح قيـاس التطـورات الحاصلـة فـي المنـاخ الاجتماعـي علـى المسـتوى الوطني.

 وقـد تـوج هـذا المسـار بالتوقيـع فـي 30 أبريـل 2022 علـى اتفاق اجتماعي مع مجموع النقابات الأكثر تمثيلا والاتحاد العــام لمقــاولات المغــرب والــذي تضمــن مجموعــة مــن الالتزامــات المتبادلــة، فضــلا عــن إطــلاق سلســلة مــن الحـوارات الاجتماعية بمختلف القطاعـات، لتعزيز المكانة الدســتورية للنقابــات وحلحلــة العديــد مــن الملفــات التــي ظلــت عالقــة منــذ عــدة ســنوات والاســتجابة لانتظارات عمـَّرت لسـنوات.

وتجـدر الإشـارة إلـى أن الحكومـة أوفـت بالتزامـات الحـوار الاجتماعـي وعـززت مكتسـباته التـي تـروم تحسـين القـدرة الشـرائية لما يفوق 420.184 من الموظفات والموظفين بانعـكاس مالـي سـنوي يصـل إلـى 21.4 مليـار درهـم سـنة 2026 وكـذا لما يقارب 1.6 مليون مسـتفيد مـن القطاعين العــام والخــاص، بتمكينهــم مــن مراجعــة للضريبــة علــى الدخـل بأثـر مالـي سـنوي يناهـز 2,4 مليـار درهـم.

هــذا بالإضافــة إلــى الالتزامــات التــي تهــم القطــاع العــام والتـي تـم تنفيذهـا بخصـوص إقـرار رخصـة الأبـوة وحـذف الســلم 7 بالنســبة للموظفيــن ورفــع حصيــص الترقــي والرفـع مـن قيمـة التعويضـات العائليـة بالنسـبة للأبنـاء الرابـع والخامـس والسـادس مـن 36 إلـى 100 درهـم. كمـا قامــت الحكومــة باتخــاذ الإجــراءات التاليــة:

• الرفـع مـن الحـد الأدنـى للأجـور فـي القطـاع العـام ابتـداء مـن شـتنبر 2022 إلـى 3.500 درهـم، يسـتفيد منـه حوالـي44  ألـف مـن الموظفـات والموظفيـن بميزانيـة تقـدر بـ 191 مليـون درهـم سـنويا.

• إصــلاح المدرســة العموميــة مــن حال تثميــن وإرســاء نظــام جديــد موحــد يهــدف إلــى تحفيــز المــوارد البشــرية، حيـث يسـتفيد مـن هـذا الإجـراء 335.977 موظـف بقطـاع التربيـة الوطنيـة، بميزانية إجمالية تقدر بـ 17 مليار درهم فــي أفــق ســنة 2026، منهــا 12 مليــار درهــم كزيــادة فــي الأجور و5 مليار درهم لتمويل إجراءات فئوية، وسيتراوح مقـدار الزيـادة فـي الأجور بيـن 1500 و 4290 درهم شـهريا.

• تسـوية وضعيـة المتصرفيـن التربوييـن والمستشـارين فــي التوجيــه التربــوي والمستشــارين فــي التخطيــط التربوي وأسـاتذة التعليم الابتدائي والإعدادي المكلفين بالتدريــس خــارج ســلكهم الأصلي. ويهــم هــذاالإجراء 556 أســتاذا، بميزانيــة إجماليــة تقــارب 700 مليــون درهــم ســنويا، حيــث تمــت برمجــة هــذه الاعتمــادات فــي قانــون الماليــة لســنة 2023.

• تحسـين وضعيـة الأطباء من خلال تغيير شـبكة الأرقام الاسـتدلالية واعتمـاد الرقـم 509 فـي بدايـة المسـار، مـع نظـام التعويضـات، وذلك على شـطرين ابتـداء من فاتح يناير 2023. ويستفيد من هذا الإجراء ما مجموعه 15.534 شــخصا بمبلــغ مالــي يقــدر بـ 1,4 مليــار درهــم ســنويا، حيـث تـم إدراج الشـطرين الأول والثانـي مـن هـذا الإجراء بقانــون الماليــة لســنة 2023 ومشــروع قانــون الماليــة لسـنة 2024 علـى التوالـي.

• تحسـين الوضعيـة الماديـة للأسـاتذة الباحثيـن بالتعليـم العالــي ومؤسســات التكويــن، مــن خــلال وضــع نظــام أساســي خــاص لتحفيــز هــذه الهيئــة وذلــك علــى ثلاثــة أشـطر، ويسـتفيد مـن هـذا الإجـراء 19.050 أسـتاذا باحثـا بميزانيــة إجماليــة قدرهــا 2 مليــار درهــم.

• مراجعـة الوضعيـة الماديـة لأعـوان السـلطة علـى ثلاثـة أشـطر ابتداء من سنة 2023 ويسـتفيد مـن هذا الإجراء حوالـي 46.553 شـخصا بمبلـغ إجمالـي سـنوي يناهـز 592 مليــون درهــم. وقــد تــم إدراج الشــطرين الأول والثانــي مـن هـذا الإجـراء بقانـون الماليـة لسـنة 2023 ومشـروع قانـون الماليـة لسـنة 2024 علـى التوالـي.

أمــا فيمــا يخــص القطــاع الخــاص، فــإن مخرجــات الحــوار الاجتماعي قد ارتكزت بالأساس على دعم القدرة الشرائية للأجـراء، من خـلال إجـراءات تحفيزية ومبتكـرة تهم خاصة:

• الرفــع مــن الحــد الأدنى للأجور فــي قطاعــات الصناعــة والتجــارة والمهــن الحــرة بنســبة 10% علــى دفعتيــن، وفـي النشـاطات الفلاحيـة بنسـبة 15% فـي أفـق التوحيـد التدريجــي للأجر ســنة 2028.

• توســيع هامــش الاستفادة مــن معــاش الشــيخوخة لفائدة الأجراء المحالين على التقاعد، من خلال تخفيض شـرط الاستفادة مـن 3240 يـوم اشـتراك إلى 1320 يومـا.

• الرفــع مــن قيمــة المعاشــات فــي القطــاع الخــاص بنســبة 5% بأثــر رجعــي ابتــداء مــن ينايــر 2020 بمبلــغ أقلـه 100 درهـم يهـم حوالي 600 ألـف متقاعـد ومتقاعدة منخرطيــن فــي الصنــدوق الوطنــي للضمــان الاجتماعــي.

• الرفـع مـن قيمـة التعويضـات العائليـة بالنسـبة للأبناء الرابـع والخامـس والسـادس مـن 36 إلى 100 درهـم. فضــلا عــن ذلــك، فــإن الحكومــة منفتحــة علــى النقــاش، مــع الفرقــاء الاجتماعيين، فــي إطــار الحــوار الاجتماعــي، وفـق مقاربة تروم تحسـين وضعيـة الشـغيلة، موازاة مع مباشرة الإصلاحات القطاعية وكذا الانكباب على مراجعة تشـريعات العمـل والشـروع في مناقشـة إصلاح أنظمة التقاعـد، كمـا تـم التـداول بشـأنه خلال جولـة أبريـل 2024.

المقاربة الحكومية أدمجت البعد الأسري في مختلف السياسات العمومية واعتمدت جيلا جديدا مـن الخدمات لمواكبتها

تقـود الحكومة منـذ تنصيبهـا وبتوجيهات ملكية سـامية إصلاحات اجتماعية وتنموية غير مسبوقة، رغم الظرفية العالمية والوطنية والمناخية الصعبة الناتجة عن تقاطع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وآثار جائحة كوفيد19- وتداعيات زلزال الحوز واسـتمرار أزمة الجفاف الحاد.

كل هـذه العوامـل أعـادت ترتيـب سـلم أولويـات بلادنـا، لكــن الإرادة السياســية والوطنيــة الصادقــة كانتــا المحرك الأساسـي لعمـل الحكومة وللوتيرة السـريعة التــي اشــتغلت بهــا، للخــروج مــن الأزمــة بشــكل أقــوى وتحويـل التحديات إلـى فرص وتعزيـز السـيادة الوطنية فــي المجــالات الاســتراتيجية. لذلـك، كان لِزامـا أن تتوجـه مختلـف الجهـود الحكوميـة نحــو تنزيــل الأوراش الملكيــة الاجتماعيــة لتحقيــق الأهــداف التــي ســطرها البرنامــج الحكومــي، لاســيما فيمـا يتعلـق بالسياسـات العموميـة الموجهـة للأسر.

ويأتـي الاهتمـام الـذي توليـه الحكومـة للأسـرة في سـياق وطنـي ملائـم، يتميـز خاصـة بوضـع جلالـة الملـك لقضيـة الأسرة علــى رأس السياســات الوطنيــة فــي بعدهــا القانونــي، وذلــك مــن خــلال التكليــف الســامي لرئيــس الحكومة برفع مقترحات تعديل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونـة الأسـرة إلـى النظـر السـامي لجلالة الملـك، أميـر المؤمنيــن، والضامــن لحقــوق وحريــات المواطنيــن.

وبفضــل تعبئــة وفعاليــة مختلــف التدخــلات الحكوميــة الموجهـة للأسـرة المغربيـة، تمكنـت الحكومـة، تفعيـلا للتوجيهـات الملكيـة السـامية، من إسـدال السـتار على حصيلة مرحلية مشرفة فيما يتعلق بتنزيل السياسات الموجهــة للأســرة المغربيــة، لاســيما فــي مجــالات الصحـة والحمايـة الاجتماعيـة والتعليـم والسـكن.

كمـا أن الحكومـة تشـتغل بـكل جديـة ومسـؤولية، منـذ تنصيبهــا لتنزيــل الــورش الملكــي للإصــلاح الشــامل للحمايـة الاجتماعيـة كمجال للتدخل الاسـتراتيجي، بات يسـاهم فـي حماية الأسـر مـن تقلبـات الحياة وتحسـين ظروفهـا المعيشـية.

ولقـد جعلـت الحكومـة الأسـرة المغربية، وخاصـة منها ذات الدخـل المحـدود، محـور سياسـاتها متعـددة الأثـر.

وهكذا نجحت، وفي ظرف وجيز، في تنزيل مجموعة من الأوراش الاجتماعية الكبرى، ومن بينها على الخصوص  الدعــم الاجتماعــي المباشــر، ودعــم الســكن وتعميــم التغطيــة الصحيــة، خصوصــا لفائــدة الأســر الهشــة، ووضع أسـس عـرض صحي جديد قـادر على الاسـتجابة لحاجيـات الأسـر محـدودة الدخـل.

كمـا أن المنجز الحكومي للنصف الأول من الولاية تميز بعـدد من المنجزات التي تخدم الأسـرة، باعتبارها هدفا للسياسات العمومية، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، وذلك من خلال تبني إجراءات وإصلاحات هيكليـة فـي إطـار ديمقراطـي تشـاركي، عبـر آليـة الحـوار الاجتماعـي، والتـي أفضـت إلـى منـح فئـات عريضـة مـن الموظفين والأجراء العديد من المكتسبات، مما يؤكد التوجـه الديمقراطي والاجتماعي لهذه الحكومة.

وفـي هذا الإطـار، يجـدر التذكيـر بالزيـادة في الحـد الأدنى لأجــور فــي القطاعيــن العــام والخــاص، بالإضافــة إلــى تحقيــق إنجــازات غيــر مســبوقة فــي مجــال تحســين وضعيــة هيئــة التدريــس، وأســاتذة التعليــم العالــي ومهنيــي الصحــة ومســاعدي الســلطة وغيرهــم، وهــو مـا كان لـه أثـر مباشـر علـى 420 ألـف أسـرة. كمـا عملـت الحكومــة علــى الرفــع مــن قيمــة المعاشــات وتخفيــف الضريبــة علــى الدخــل بالنســبة للأجــراء والمتقاعديــن ذوي الدخــل المتوســط.

وخلاصة، يمكن الجزم بأن المقاربة الحكومية نجحت في إدماج البعد الأسري في مختلف السياسات العمومية التـي أطلقتها، وتنفيذ جيل جديد مـن الخدمات لمواكبة الأســر ومســاعدتها علــى الحفــاظ علــى اســتقرارها واسـترداد دورهـا فـي التنشـئة الاجتماعية.

تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية

لقـد وضعـت الحكومـة هدف تعزيـز ركائز أسـس الدولة الاجتماعيــة علــى رأس أولويــات برنامجهــا الحكومــي، وذلـك وفـق رؤيـة تجمـع بيـن ترصيـد المكتسـبات التـي راكمتهــا بلادنــا بقيــادة ملكيــة حكيمــة فــي المجــال الاجتماعــي، وتقديــم حلــول هيكليــة لمعالجــة مكامــن الهشاشـة التـي تشـوب بعـض السياسـات العموميـة المرتبطــة بتنميــة الرأســمال البشــري.

وبخطـى واثقـة وحثيثـة تواصـل الحكومة، بقيـادة ملكية متبصــرة، تنزيــل الأوراش والبرامــج والمخططــات الاسـتراتيجية الرامية إلـى تعزيز دعائم الدولـة الضامنة لحقــوق المواطنيــن الاقتصاديــة منهــا والاجتماعيــة، باعتبارهـا خيـارا لا رجعـة فيـه ولبنـة أساسـية فـي بنـاء صــرح الدولــة الاجتماعيــة. فقــد قطــع المغــرب، خــلال النصــف الأول مــن هــذه الولايـة الحكوميـة، أشـواطا متقدمـة علـى درب التنزيـل الفعلـي لمختلـف الأوراش الاجتماعيـة، وفـي مقدمتهـا مشــروع تعميــم التغطيــة الصحيــة الإجباريــة وورش الدعـم الاجتماعـي المباشـر وبرنامـج دعـم السـكن وكـذا مأسسـة الحـوار الاجتماعي، والتـي تعد آليات أساسـية لتمكيـن المواطـن مـن شـروط العيـش الكريـم تحقيقـا للتنميـة فـي كافـة المجـالات.

ولا خلاف أن ملايين الأسر المغربية ستستفيد بشكل أو بآخــر مــن آثــار هــذه الأوراش، التــي حتمــا ستحســن وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل الإكراهات القائمــة والرهانــات المجتمعيــة للمواجهــة الهيكليــة لمخاطـر تقلبـات الحيـاة.       

ورش مراجعة مدونة الأسرة

تجسـيدا للعنايـة المولويـة الخاصـة التـي يوليهـا جلالـة الملــك نصــره الله للنهــوض بقضايــا المــرأة والأســرة وحــرص جلالتــه علــى توفيــر أســس تماســك الأســرة، وجــه صاحــب الجلالة حفظــه الله رســالة ســامية إلــى رئيس الحكومة، بتاريخ 26 شتنبر 2023 في شأن إعادة النظــر فــي مدونــة الأســرة. ومــن خــلال هــذه الرســالة، أعطـى جلالة الملـك توجيهاته السـامية بإحـداث الهيئة المكلفــة بمراجعــة مدونــة الأســرة، التــي تتشــكل مــن وزيــر العــدل والرئيــس المنتــدب للمجلــس الأعلــى للســلطة القضائيــة ورئيــس النيابــة العامــة والأميــن العــام للمجلــس العلمــي الأعلــى ورئيســة المجلــس الوطنــي لحقــوق الإنســان ووزيــرة التضامــن والإدمــاج الاجتماعــي والأســرة.

وتنفيــذا للتعليمــات الــواردة فــي الرســالة الملكيــة الســامية، عملــت الهيئــة المكلفــة بمراجعــة مدونــة الأسـرة، فـي إطـار مقاربـة تشـاركية واسـعة، علـى عقـد جلسـات اسـتماع مع مختلف الفاعلين المؤسسـاتيين ومنظمـات المجتمـع المدنـي العاملة فـي مجال حقوق الإنســان وحقــوق المــرأة والطفولــة، بالإضافــة إلــى القضــاة والممارســين والخبــراء.

 وبالنظــر للتكليــف الملكــي الســامي لرئيــس الحكومــة برفــع مقترحــات التعديــل التــي انبثقــت عــن هــذه المشــاورات التشــاركية الواســعة إلــى النظــر الســامي لجلالة الملــك، أميــر المؤمنيــن، فقــد توصــل رئيــس الحكومـة مـن الهيئـة المكلفـة بمراجعـة مدونة الأسـرة بمقترحـات التعديـل، ورفعهـا إلـى المقـام العالي لأمير المؤمنيـن، وفـق الموعـد الـذي حـدده جلالة الملـك، رمز إجمــاع الأمة والمعبــر الأسمى عــن الإرادة العامــة.

 وبعــد المصادقــة الملكيــة الســامية علــى مقترحــات الهيئــة، ســتتخذ الحكومــة المبــادرة التشــريعية مــن أجل إعـداد الصيغـة النهائيـة للتعديلات وذلـك في أفق عرضهــا علــى مصادقــة البرلمــان.

انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان.. تتويج لمسار حافل واعتراف دولي

شـهدت الفترة التي تغطيها الحصيلة الحكومية لنصف الولاية، حدثا مهما بالنسـبة لبلادنا، تمثـل فـي انتخـاب المغـرب لأول مـرة رئيسـا لمجلـس حقوق الإنسان التابع للأمم لمتحدة، وذلــك برســم ســنة 2024، بعــد أن تــم انتخابــه عضــوا بالمجلـس لولاية ثالثـة تمتـد إلـى غايـة سـنة 2025. كما تميزت نفـس الفترة بتقوية الحضـور المغربي بمختلف الهيئـات الأممية لحقـوق الإنسان، لاسيما مـن خـلال ضمــان تمثيليــة وازنــة للخبــراء المغاربــة فــي هيئــات المعاهــدات، حيــث يتواجــد حاليــا خبــراء مغاربــة بتســع هيئـات مـن أصـل عشـرة.

وقد انتخــب المغــرب يــوم 10 ينايــر 2024 لرئاســة مجلــس حقــوق الإنسان، الهيئــة المرموقــة التابعــة للأمم المتحـدة، بأغلبيـة 30 صوتـا مـن مجمـوع أعضـاء المجلــس السـبعة والأربعون.

إن انتخــاب المغــرب بالأغلبية الســاحقة يشــكل حدثــا حقوقيــا كبيــرا، ومحطــة بــارزة فــي مســار بلادنا فــي مجـال حقـوق الإنسان، التي شـهدت تحت قيـادة جلالة الملـك حفظه الله، إصلاحات عميقة ومكتسـبات هامة ســاهمت فــي تعزيــز الديمقراطيــة والمســاواة بيــن الرجال والنساء وترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية، وضمــان فعليــة حقــوق الإنسان. كمــا يشــكل دفعــة قوية تعزز الخيار الوطني الثابت الـمرصد للمكتسـبات والـمدشن لمرحلــة جديــدة فــي ترســيخ فعليــة حقــوق الإنسان.

ويعتبر هذا الانتخاب، تكريسا للمكانة المستحقة لبلادنا فــي المجتمــع الدولــي، واعترافـا بالدور الذي تضطلــع به كعضــو مؤســس لمجلــس حقــوق الإنسان، علــى مســتوى تعزيــز الحــوار والتعــاون الدولـي للنهـوض بحقـوق الإنسان؛ ويأتـي تتويجـا للعمل البناء للمملكـة المغربيـة مـن أجـل تعزيز أدوار مجلــس حقــوق الإنسان، خصوصــا آليتــه الرئيســية، الاستعراض الــدوري الشــامل.

وســتحرص المملكــة المغربيــة خــلال رئاســتها للمجلــس علــى تقويــة إشــعاع مجلــس حقــوق الإنسان في المنظومة الحقوقية للأمم المتحدة، وعلـى تعزيـز الحـوار والتوافـق والتضامـن الدولـي فــي مجــال النهــوض بحقــوق الإنسان، وحمايــة الحريــات الأساسية، ومكافحــة التمييــز.