شكل الاهتمام بالأمن الغذائي ضرورة ملحة لمواجهة مختلف الصدمات الاقتصادية والمناخية التي تهدد سلامة المنظومة الغذائية العالمية، حيث أضحى الانتقال نحو اقتصاد غذائي مستدام على رأس الأجندة الحكومية التي تستند على الرؤية الملكية السامية الداعية إلى حماية القدرة الشرائية للأسر المغربية وضبط توازنات السوق الوطني.
وانطلقت الحكومة من تكريس هذا الخيار الاستراتيجي، في ظل سياق دولي مضطرب تميز بارتفاع كلفة المواد الأولية من مبيدات فلاحية وأسمدة وبذور وغيرها من المدخرات، إضافة إلى اختلال سلاسل التوريد والإنتاج وارتفاع أثمنة النقل الدولي وسياق وطني عرف توالي سنوات الجفاف مما أدى إلى تراجع مستوى المخزون المائي.
من ناحية أخرى، تعمل الحكومة على الحفاظ على المكتسبات الكبرى التي أنجزت في إطار مخطط المغرب الأخضر وتحسينها، بحيث تجلت أهم هذه الإنجازات في مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي ليبلغ 13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وتحسين نسبة التغطية الوطنية للحاجيات الاستهلاكية، إذ بلغت 100 بالمائة بالنسبة للخضراوات والفواكه والدواجن، و99 بالمائة بالنسبة للحوم الحمراء، و98 بالمائة بالنسبة للحليب، إضافة إلى تحسين النجاعة المائية عبر تثمين 2 مليار متر مكعب من المياه.
وفي هذا السياق، عملت الحكومة على واجهتين متكاملتين، تتمثل الأولى في التصدي للتداعيات والإكراهيات الآنية عن طريق اتخاذ إجراءات استعجالية، فيما تهم الثانية رسم المسارات الانتقالية للفلاحة المغربية لضمان سيادة غذائية في أفق سنة 2030 متمثلة في استراتيجية الجيل الأخضر.
الإجراءات الاستعجالية للتصدي للتداعيات
تعيش بلادنا على غرار باقي دول العالم على إيقاع ظرفية مركبة التداعيات، تختلط فيها التقلبات المناخية بنظيرتها الاقتصادية، أدت في مجملها إلى رفع نسب التضخم إلى مستويات قياسية. كما أثرت خاصة على سلسلتي اللحوم والحليب، وهو الأمر الذي استدعى اتخاذ إجراءات استعجالية من الحكومة تهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسعار وتوفير المواد الأساسية بالكميات الكافية، وتتجلى هذه الإجراءات في:
ـ وضع برامج استثنائية للتخفيف من حدة الجفاف، حيث تم تخصيص، 10 مليار درهم برسم الموسم الفلاحي 2022 ـ2023، لدعم الفلاحين ومربي الماشية وحماية الرصيد الحيواني والنباتي وتدبير ندرة المياه، وذلك من خلال ضمان توزيع 9 مليون قنطار من الأعلاف المدعومة وتوريد الماشية والري التكميلي للأشجار في بعض المناطق البورية، مع توسيع التأمين الفلاحي والتخفيف من الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين.
ـ 10 مليار درهم انطلاقا من الموسم الفلاحي 2023 ـ 2024، تهم أساسا دعم مربي الماشية عبر ضمان توزيع 19 مليون قنطار من الأعلاف المدعومة، إضافة إلى مساعدة الفلاحين عن طريق دعم التزويد بالأسمدة وأيضا منحهم إعانات مباشرة للتحكم في أسعار الخضر الأكثر استهلاكا، بحيث توجه هذه المنحة لمنتجي الطماطم (في حدود70.000 درهم للهكتار) والبصل في حدود 5.000 درهم للهكتار، والبطاطس في حدود 15.000 درهم للهكتار.
ـ دعم مهنيي النقل الطرقي للحفاظ على استقرار أثمنة النقل وسلاسل التوريد.
ـ دعم مهنيي اللحوم عبر إلغاء الضريبة على القيمة المضافة TVA، ووقف استيفاء الرسوم الجمركية على استيراد الأبقار الموجهة للذبح، مع ضمان الإمداد الطبيعي للسوق الوطنية من الأغنام خاصة بمناسبة عيد الأضحى ودعم سلاسل الحليب.
ـ الدعم المالي من خلال صندوق التنمية الفلاحية لاقتناء 120.000 رأس من الأبقار الحلوب ذات السلاسة الأصيلة والمنتجة محليا على مستوى وحدات الحضانة إلى غاية متم 2026.
ـ الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على الأعلاف البسيطة المخصصة لتغذية الماشية (الشمندر والتبن والذرة وغيرها).
ـ وقف استيفاء رسم الاستيراد على البذور الزيتية والزيوت الخام لضبط أسعار زيوت المائدة.
ـ تفعيل مختلف عمليات اليقظة وتتبع تموين الأسواق والأسعار لتلبية متطلبات السوق الوطنية، وتوفير مخزون كاف ومنتظم من المواد الأساسية.
ـ التحكم في وتيرة تصدير مجموعة من المواد الفلاحية كالطماطم والبطاطس.
ـ وضع بعض التدابير التقييدية (رخص التصدير) بالنسبة للزيتون وزيت الزيتون والقطاني وزيت الأركان.
ـ الرفع من الدعم الجزافي عن السكر المكرر بنسبة 25 بالمائة منذ 14 أبريل 2023.
وقد ساهمت هذه الرزنامة من الإجراءات في الخفض المستمر لنسبة التضخم الغذائي ليبلغ ـ0.5 يالمائة خلال شهر فبراير 2023، بحيث تعد هذه النسبة هي الأدنى منذ غشت 2021.
مسارات حديثة للاقتصاد الغذائي المستدام من خلال دعامات الجيل الأخضر
يمكن رصد أهم ملامح الانتقال الرئيسية لاستراتيجية الجيل الأخضر، في التعاطي مع الإجهاد المائي كمعطى بنيوي عبر سياسة مائية مندمجة، تقوم على الارتباط الوثيق بين الأمن الغذائي والأمن المائي، والانتباه المستمر للإكراهات المتزايدة للتغير المناخي.
وفي هذا الإطار، أعطت الحكومة انطلاق عدة مشاريع بنيوية كمشروع الربط بين الأحواض المائية وإحداث أول محطة لتحلية مياه البحر بجهة آيت باها على مساحة 15 ألف هكتار والتي تم تشغيلها في دجنبر 2022. كما تم البدء في إحداث محطة تحلية مياه البحر تشتغل بالطاقة المتجددة بجهة الداخلة وادي الذهب وذلك من أجل سقي 5000 هكتار.
من جهة أخرى، عملت الحكومة على التوقيع على 19 عقد برنامج من الجيل الجديد مع الفدراليات البيمهنية المعنية من أجل الرفع من الإنتاجية ومواكبة حجم الاستهلاك الداخلي، بمبلغ إجمالي يناهز 110 مليار درهم على مدى 10 سنوات، بما في ذلك 42.5 مليار درهم كمساهمة من الدولة وتخص هذه الاتفاقيات:
ـ 4 سلاسل حيوانية تهدف أساسا إلى رفع المعدل السنوي لإنتاج اللحوم ليصل سنة 2030 إلى 850 ألف طن بالنسبة للحوم الحمراء، و912 ألف طن بالنسبة للحوم البيضاء، بزيادة تبلغ 40 بالمائة و12 بالمائة مقارنة مع سنة 2020، ونسجل خلال 2022، التمكن من تغطية الحاجيات من الإنتاج الوطني بنسبة 96 بالمائة بالنسبة للحليب و98 بالمائة بالنسبة للحوم الحمراء.
ـ 15 سلسلة نباتية، أهمها سلسلة الزيتون، وسلسلة الأشجار المثمرة وسلسلة الخضراوات، حيث تهدف إلى رفع إنتاج الزيتون والأشجار المثمرة بنسبة 100 بالمائة ليصل إلى 3.5 و3.8 مليون طن سنة 2030. ورفع إنتاج الخضراوات ليصل إلى 11.4 مليون طن سنة 2030 بزيادة قدرها 54 بالمائة مقارنة مع سنة 2020، وخلال الفترة 2021 ـ 2023 تمت المحافظة على المعدل السنوي لإنتاج الخضراوات الذي يناهز 4.7 مليون طن.
ـ القيام بمراجعة قنوات التسويق وعصرنة الأسواق وإعداد بنيات تحتية من الجيل الجديد لتثمين المنتوجات الفلاحية، حيث من المرتقب بناء عشر أسواق للجملة من الجيل الجديد، أولها سوق الجملة بالرباط الذي سيعرف انتهاء أشغال بنائه منتصف 2024.
ـ تطوير فلاحة مستدامة ومقاومة للتغيرات المناخية، عبر مضاعفة برامج النجاعة المائية واقتصاد مياه السقي ومواصلة برامج الري والتهيئة الهيدروفلاحية.
ـ مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي والعمل على بلوغ 70 بالمائة من تثمين الإنتاج الفلاحي.