على الرغم من مختلف التدابير النوعية المتخذة من قبل المتدخلين المعنيين، فإن وضعية العالم القروي تبقى من بين الرهانات التي تستلزم مضاعفة الجهود لتعزيز شروط نمائها وازدهارها، خاصة عندما تتعرض للصدمات المتلاحقة وتقبع تحت وطأة الظروف الصعبة.
في ذات الصدد، أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن تداعيات الزلزال الذي ضرب بلادنا خلفت جرحا نفسيا عميقا جراء وفاة وجرح عدد من أبناء هذا الوطن، وخلف خسائر متفاوتة في البنية التحتية في عدد من المناطق المتضررة، لكنه في نفس الوقت شكل فرصة حقيقية وواعدة للدفع قدما نحو تنمية هذه المناطق، ومرحلة جديدة سيكون لها الأثر الإيجابي في تعزيز مستويات العيش الكريم للمواطنات والمواطنين، إذ نطمح في الحكومة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة وتنفيذا لتعليماته السامية بأن تكون هذه المناطق نموذجا مثاليا للاهتمام المتجدد بالعالم القروي والمناطق الجبلية .
وأبرز أخنوش خلال جلسة عمومية بمجلس المستشارين، الثلاثاء 19 دجنبر، حول موضوع “تقليص التفاوتات المجالية والاجتماعية”، أن التاريخ سيسجل بمداد من الفخر التضامن الوطني الكبير الذي قاده صاحب الجلالة، وما أبان عنه المغاربة من صور التآزر مع إخوانهم في مناطق الحوز وتارودانت وشيشاوة وباقي المناطق الأخرى. وهو درس جديد من دروس التلاحم الدائم والمستمر بين العرش والشعب، الذي يكرس التعبئة الوطنية ساعة الأزمة كما تعودنا دائما، ويعزز تفوق الشخصية المغربية في مواجهة التحديات والصعوبات مهما كان حجمها وآثارها.
وأفاد أن الحكومة ظلَّت المعني الأول بتدبير آثار الأزمة، مستندة في ذلك بالتوجيهات الملكية السامية ومؤطرة بالاجتماعات الاستباقية التي ترأسها جلالة الملك لتحديد أولويات التدخل والاستهداف بشكل دقيق ومركز، مبرزا أن كل المصالح الحكومية تجندت خلف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لتقديم الدعم الأولي وتسريع الإجراءات المتعلقة بتدبير الأزمة مع الحرص الشديد على مواصلة تقديم الخدمات العمومية الأساسية.
ووفق المتحدث، وعلى امتداد الاجتماعات السبعة (7) التي عقدتها اللجنة البين وزارية المكلفة بالبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل المناطق المتضررة، كان هاجس الحكومة الوحيد هو استحضار توجيهات جلالة الملك الداعية إلى وضع أجندة واضحة ومحددة تتضمن حلولا استعجالية لإعادة البناء وتعويض المواطنين ومواصلة جهود الإغاثة.
وأفاد رئيس الحكومة أنه بالموازاة مع عمل اللجان التقنية في المناطق المتضررة لتقدير حجم الأضرار وتحديد صنف الدعم الذي ستحصل عليه الأسر المعنية، عملت الحكومة بشكل متواصل داخل اللجنة البين – وزارية على بحث السبل الكفيلة والتفكير المرتكز على إعادة الإعمار بشروط تحترم الخصوصيات المعمارية والحضارية لتلك المناطق التي تكتسي في مجملها صبغة قروية، تفعيلا للبرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز .
وفي هذا الصدد، تقرر تقديم مساعدة استعجالية بقيمة 30 ألف درهم للأسر المتضررة، ومساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا. كما وصلت وتيرة تنزيل المخطط الاستعجالي للمناطق المتضررة مراحل متقدمة، في الوقت الذي حرص صاحب الجلالة على التتبع اليومي والشخصي لمستويات تنفيذ هذا البرنامج، الشيء الذي مكن من وضع تصور شمولي متكامل ومنسجم بتكلفة مالية إجمالية تصل إلى 120 مليار درهم على امتداد 5 سنوات، تتمحور حول أربع مكونات أساسية:
– إعادة إيواء السكان المتضررين وبناء المساكن وتأهيل البنيات التحتية؛
– فك العزلة وتأهيل المجالات الترابية؛
– تسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛
– تشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل، وكذا تثمين المبادرات المحلية.
وفي نفس الوقت وبأوامر ملكية سامية، يضيف أخنوش، سيتم إحداث منصات كبرى للمواد الأساسية والأولية على مستوى كل جهات المملكة قصد التصدي بشكل سريع وفعال للكوارث الطبيعية. كما أن إعداد هذا البرنامج الذي يستهدف 4 مليون نسمة، تم وفق مقاربة مندمجة وعلى أساس تشخيص دقيق للأولويات والحاجيات الضرورية للساكنة المتضررة، والأخذ بعين الاعتبار المؤهلات والإمكانات لدى الفاعلين الترابيين ومختلف الشركاء المحليين.
فضلا عن ذلك، ووعيا بالخصوصية الترابية والثقافية للمناطق المنكوبة ذات الطابع القروي في أغلبها، تم إحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير التي ستتولى مهمة إعداد وتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم والجماعات المعنية. والتي تسعى إلى إرساء حكامة نموذجية لمراحل البرنامج الاستعجالي، وتهدف إلى تحقيق مقومات السرعة والفعالية والدقة والنتائج الملموسة وجعله نموذجا للتنمية الترابية المندمجة والمتوازنة.
وسجل أخنوش، أنه وفي أقل من شهر على وقوع الكارثة وعند الانتهاء من إحصاء الساكنة المتضررة، باشرت الحكومة عملية صرف المساعدات المالية المستعجلة للأسر المتضررة المحددة في 2500 درهم شهريا لمدة سنة، وبالنظر لخصوصية الظرفية، انخرطت عدد من المؤسسات في تقريب خدماتها من المواطنين ووضعها رهن إشارتهم من أجل تسهيل عمليات صرف المساعدات لفائدة الأسر المستفيدة. فضلا عن فتح اعتمادات مالية بقيمة 2.5 مليار درهم للمباشرة الفورية لتنزيل برنامج إعادة الإعمار في مجالات التعليم والصحة والتجهيز والسكن والثقافة والسياحة والفلاحة والأوقاف.
كما عملت الحكومة، يؤكد أخنوش، على إطلاق الدراسات التقنية للمشاريع الاجتماعية ذات الأولوية، المتعلقة أساسا بإعادة بناء وتأهيل أكثر من 1000 مدرسة، وتأهيل 42 مركزا صحيا للقرب، وتقوية دعامات المآثر التاريخية وتأهيل المساجد والزوايا والأضرحة. مما سيكون له الأثر الإيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسكان المناطق المتضررة من الزلزال. ومع نهاية شهر أكتوبر أعلنا في اللجنة البين-وزارية بداية انطلاق عملية صرف الدفعة الأولى من الدعم الخاص بإعادة بناء المنازل التي انهارت بشكل كلي أو جزئي ابتداء من فاتح نونبر، حيث تم صرف 20.000 درهم ابتداء من هذا التاريخ كمبلغ للدفعة الأولى لإعادة بناء هذه المنازل.
ووصولا إلى لاجتماعها السابع، توقفت اللجنة عند وتيرة تقدم البرنامج واستعراض منجزاته الميدانية، معلنة عن سلسلة من القرارات الموالية التي ستهم تدخل مجموعة من القطاعات المعنية. ويتعلق الأمر بصياغة برنامج استعجالي بقيمة إجمالية تناهز 810 مليون درهم موجه بالأساس لصيانة مخلفات الزلزال التي لحقت الشبكة الطرقية، ومواصلة فتح المسالك القروية غير المصنفة التي تعرف بدورها تقدما نوعيا بلغت 624 كلم موزعة على 300 دوار و4 أقاليم. فضلا عن ذلك تم الشروع في دراسة إنجاز سد جديد ابتداء من يناير المقبل، يرتقب أن تبلغ طاقته الاستعابية 3 مليون متر مكعب وبغلاف مالي يناهز 450 مليون درهم.
ولاسترجاع حيوية النشاط الفلاحي والحد من الصعوبات التي تواجه الأسر الفلاحية بالمناطق المتضررة، قررت اللجنة في اجتماعها الأخير، يقول رئيس الحكومة، التسريع بإعادة هيكلة التجهيزات الهيدروفلاحية مسجلة الانتهاء من إصلاح ما مجموعه 126 كلم من السواقي، وإطلاق عمليات إصلاح أزيد من 44 وحدة لتثمين المنتوجات الفلاحية، مع توزيع ما يقارب 100 ألف قنطار من مادة الشعير من أصل 500 ألف قنطار تمت تعبئتها لتخفيف تكلفة الأعلاف على مربي الماشية، الذين سيستفيدون من عملية توزيع حوالي 70 ألف رأس من القطيع في إطار شراكة تم توقيعها مع الجمعية المغربية للأغنام والماعز.
“دون إغفال الإجراءات التي استهدفت قطاع التعليم، من خلال تعبئة 300 إطار تربوي وتجهيز أزيد من 830 حجرة دراسية متنقلة و375 أخرى مركبة، ساهمت بشكل أساسي ومباشر في استئناف التلاميذ لدراستهم في أفضل الظروف مع تمكينهم من العتاد التربوي اللازم. والسهر على تزويد المناطق المتضررة بأسطول كاف من عربات النقل المدرسي لتسهيل ولوجية التلاميذ إلى فصولهم الدراسية” يقول أخنوش مُنوِّها بالجهود المتواصلة للقطاعات الحكومية المعنية، وبتجندها الدائم والمستمر لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المتضررة من الزلزال وبشكل مستعجل، متسلحين بالتوجيهات الملكية السامية.
وأكد رئيس الحكومة، أن الرؤية الحكومية لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمجال القروي، تتقاطع بشكل كبير مع مسار تكريس أسس الدولة الاجتماعية خاصة من خلال البرامج المتعلقة باستكمال الإصلاحات الهيكلية في قطاعَيْ التعليم والصحة، وفي مجال فك العزلة عن العالم القروي وتقليص التفاوتات المجالية والاجتماعية وتشجيع الاقتصاد المحلي وتثمين المبادرات الاقتصادية الترابية. حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال الاختلاف حول مقاصد وأهداف تنمية العالم القروي والمناطق الجبلية، التي يجدر أن نجعلها إرادة وطنية صادقة ومشتركة، على الجميع أن يساهم فيها من موقعه وفق الرؤية الملكية السامية التي يريدها صاحب الجلالة لأبناء وطنه داخل العالم القروي والمناطق النائية.
وجدد أخنوش الالتزام بأن السنوات المقبلة في عمر هذه الحكومة، ستكون بحول الله استكمالا لمسار الأوراش النموذجية الكبرى التي ستجعل من المغرب قطبا محوريا وصاحب ريادة في المنطقة. خاتما حديثه بالقول إن “تدبيرنا للملفات الاستراتيجية وكسب رهاناتها المتعددة، لم يشكل يوما استسلاما “لعقلية الأزمة”، بل على العكس من ذلك عملنا على تحويل الأزمات إلى فرص والتحكم في بوصلة القيادة للدفع بمسار التنمية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية وفاء للأمانة التي قلدنا إياها جلالة الملك خدمة للمواطنين الذين أحاطونا بثقتهم”.