أشرف رئيس الحكومة عزيز أخنوش، على توقيع محضر اتفاق بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة -قطاع التربية الوطنية-، والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، وذلك وفاء من الحكومة بأحد أهم التزاماتها، والتي تعتبر تحفيز مكونات الأسرة التعليمية مدخلا أساسيا لإصلاح المدرسة العمومية، خدمة للتلاميذ والأسر المغربية.
محضر الاتفاق الموقع يوم السبت 14 يناير 2023 بالرباط، يتضمّن جزأين أساسيين، الأول يتعلق بالملفات والقضايا المتوافق بشأنها، والثاني يخص التزامات الأطراف.
وتستهدف الملفات المتوافق بشأنها الحفاظ على المكتسبات بما في ذلك الحفاظ على الأطر الحالية، مع العمل على خلق وإحداث أطر جديدة، وتوحيد السيرورة المهنية لكل الأطر، وخلق المنافذ والجسور بين مختلف هذه الأطر والهيئات، وإرساء هندسة تربوية جديدة تحقق التكامل والانسجام بين مختلف الهيئات، وتضمن الاستحقاق وتكافؤ الفرص بين الموظفين.
كما يروم الاتفاق الارتقاء بالوضعية المهنية والاجتماعية والمعنوية لجميع الموظفين، وتقييم الأداء المهني بناء على معايير موضوعية وقابلة للقياس، وتخليق الممارسة المهنية داخل المنظُومة التربوية، وتأمين الزمن المدرسي وزمن التعلمات، بالإضافة إلى إقرار نظام جديد لتحفيز الفريق التربوي والإداري بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ذات التميز، وكذا إدراج مهام الإدارة التربوية والإدارة المدرسية ضمن مقتضيات النظام الأساسي الجديد.
ومن بين أهم المستجدات التي سيحملها النظام الأساسي الجديد، علاوة على إخضاع جميع الموظفين لأحكامه ومقتضياته، وتخويلهم نفس الحقوق والواجبات طيلة مسارهم المهني من التوظيف إلى التقاعد، وإلغاء الأنظمة الأساسية (12 نظاما) الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التأسيس لأول مرة لأهداف تحسين وتجويد أداء هيئة التدريس وفتح آفاق الارتقاء المهني.
ويشكل هذا الاتفاق، ثمرة سنة من التشاور البنّاء والحوار القطاعي الذي تطبعه الثقة والمسؤولية بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين. كما يفتح الباب أمام تفعيل خارطة طريق إصلاح المدرسة العمومية المغربية، على أرض الواقع، تماشيا مع الرغبة السامية لصاحب الجلالة محمد السادس، نصره الله، وطموح كل أسرة مغربية.
تثمين حكومي
رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أكد أن هذا الاتفاق يأتي لإنهاء نظام المتعاقدين والسَّير نحو النظام الأساسي، وهو نظام موحد لجميع العاملين بالقطاع والذي تم الاتفاق عليه. كما تم الاتفاق على إمكانية تطوير المهنة وتطوير وضعية الأساتذة، والأطر المشتغلة في الميدان، لمتابعة الإمكانيات التي ستتاح لهم، حتى يتمتع قطاع التعليم بالجاذبية والاستثمار.
وأبرز رئيس الحكومة ضمن تصريح لموقع “حكومة”، أن “الحكومة الحالية ومنذ بداية عملها تعهدت بأن تجعل من الموضوع أولوية، وانطلق النقاش بالفعل منذ الشهور الثلاثة الأولى، واليوم توصلنا إلى نتيجة ستجعلنا نشتغل، على الأقل، خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة براحة، ونبدأ في تنزيل منظومة التعليم كما يرتضيها المغاربة لأطفالهم، تتمتع بالجاذبية وتمكن الأطفال والتلاميذ من أن يدرسوا وفق أدوات بيداغوجية أفضل ودراسة أفضل، ويبقى العنصر البشري متمثلا في الأستاذ أهم ما يمكن أن نعتني به لتحقيق التطور المنشود في قطاع التعليم ببلادنا”.
بالنسبة لشكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فأشار إلى كون الاتفاق بمثابة منعطف في تنزيل خارطة الطريق وتحسين جودة التعليم والوصول إلى الأهداف التي حدَّدتها.
وتابع الوزير قائلا: “نريد أيضا نظاما أساسيا يرفع من جاذبية قطاع التعليم، ما يعني مسارات مهنية متكاملة، ولهذا اهتممنا بالدرجة الممتازة لنرفع جاذبية القطاع. كما نريده أن يكون نظاما أساسيا محفزا، عبر آليات تحفيز لكل الطاقم التربوي داخل المؤسسات، إلى جانب تقييم الأداء الذي سيساعد على تحقيق الإنصاف، وترك الأثر الجيد على التلامذة، وكذلك يضمن الحقوق والواجبات”.
من جانبه، وصف يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الاتفاق بـ “الكبير”، ذلك أن أزيد من 50 بالمائة من الموظفين في القطاع العام يشتغلون في قطاع التعليم، وهو اتفاق اجتماعي لكونه يتضمن إقرارا من طرف الحكومة بالحيف تجاه عدد كبير من المدرسين ممن يشتغلون سنوات دون أي أمل في الحصول على الترقية، وفق تعبير المتحدث.
ويرى المسؤول الحكومي، أن الدرجة الممتازة التي أقرَّها رئيس الحكومة في إطار التحكيم رفقة الوزراء المعنيين كان قرارا شجاعا ويوضح مدى انخراطنا في الدولة الاجتماعية، فضلا عن كونه جزءا من الاتفاق الشامل بتاريخ 30 أبريل بين الحكومة والنقابات.
وخلص السكوري إلى أن المجهود الذي تقوم به وزارة التربية الوطنية لتنزيل هذا المشروع، لا يوازيه إلا إرادة الحكومة بالاعتراف برجل التعليم وبمكانته، “وهذا دورنا كوزارة معنية بالحوار الاجتماعي لاحترام الإنسان وتوفير الأجواء الملائمة”.
النقابات متفائلة
من جهتها أعربت النقابات الأكثر تمثيلية الموقعة على الاتفاق عن تفاؤلها بهذه الخطوة التي أشرف عليها رئيس الحكومة.
يوسف علاكوش، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، اعتبر أن الاتفاق محطة أساسية، وبداية نهاية ملفات عمَّرت طويلا لأزيد من 20 سنة، وأنه بمثابة تعزيز الثقة علاقة بالحوار القطاعي بعد سلسلة من الاجتماعات فاقت 20 اجتماعا.
أما يوسف فراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، فيرى أن الاتفاق مهم، واستجاب ولو جزئيا إلى المطالب الأساسية التي ترفعها الشغيلة التعليمية منذ سنوات، ولازالت تنتظر مرحلة أساسية تتعلق بتنفيذ الالتزامات وتنزيلها من خلال نظام أساسي جديد يكون منصفا ومحفزا وموحدا لكافة فئات الشغيلة التعليمية، مبرزا أن معركة إصلاح منظومة التربية والتكوين يجب تجسيدها في أرض الواقع سواء من خلال توفير التكفلة المالية المناسبة أو من خلال إيصال الإصلاح لداخل الأقسام، وبآثار واضحة على المنظومة والتلاميذ ونساء ورجال التعليم باعتبارهم الفاعلين الأساسيين ممن يجب إصلاح أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية للانخراط في الإصلاح.
من جانبه، قال معصيد ميلود، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، إن الاتفاق سيفتح الآفاق أمام مجموعة من الفئات، وسيعمل على حل جميع المشاكل الفئوية. كما تم حل مشكل الدرجة الممتازة، وفتح آفاق أخرى للتحفيز ينطوي على نوع من اللّيونة على اعتبار أنه سيتم إعادة النظر فيه كل ثلاث سنوات ومعالجة الاختلالات التي يمكن أن تشوبه.
عبد الصادق الرغيوي، الكاتب العام المنتخب للنقابة الوطنية للتعليم، أوضح أن الاتفاق مهم والأهم من ذلك هو أن المُضيُّ نحو التنفيذ، لافتا إلى أن المهم في هذا الاتفاق هو التَّنصيص على فتح خارج السلم لكل الفئات المقصية والتي عددها كبير خاصة ممن سيتقاعدون خلال هذه السنة ممن سيستفيدون من فاتح يناير 2023 وتطبيق ما تبقى في 1 يناير 2024.
“سعداء بهذا المكسب، ولازلنا نطمح إلى فتح درجة جديدة أمام أساتذة السلك الثانوي والفئات المماثلة من متصرفين وغيرهم” يختم الرغيوي كلامه.
جدير بالذكر، أنه ورغم صعوبة الظرفية، قامت الحكومة بتسوية ملفات مطلبية ظلت عالقة لسنوات. كما خصصت نهاية سنة 2022، حوالي 2 مليار درهم لتسوية مستحقات الترقية لفائدة 85 ألف موظف بقطاع التعليم.
يذكر أن حفل توقيع الاتفاق، حضره عن الحكومة، كل من نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، وشكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ويونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى، والشغل والكفاءات، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية، وغيثة مزور، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.