“المغاربة اليوم، يريدون لأبنائهم تعليما جيدا، لا يقتصر على الكتابة والقراءة فقط، وإنما يضمن لهم الانخراط في عالم المعرفة والتواصل، والولوج والاندماج في سوق الشغل، ويساهم في الارتقاء الفردي والجماعي، بدل تخريج فئات عريضة من المعطلين”، مقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017.
تفعيلا للرُّؤية المولوية السامية، وبعد تنصيبها من طرف جلالة الملك بأسبوع واحد، خرج رئيس الحكومة عزيز أخنوش ليؤكد أن إصلاح المدرسة العمومية والرُّقيِّ بها ورد الاعتبار لها لتكون ذات جاذبية ومشتلا لكفاءات المستقبل من أهم أولويات الحكومة الحالية.
وأشار أخنوش خلال كلمة ألقاها خلال جلسةٍ عمومية مشتركة في البرلمان لتقديم البرنامج الحكومي، يوم 11 أكتوبر 2021، إلى أن إنجاح تحدي “مدرسة ذات جودة”، يقوم على الاهتمام المتجدد بفاعلي المدرسة العمومية وتعزيز الطموح التربوي للتقدم نحو تكافؤ فرص حقيقي، مشددا على أن إتقان الأطفال المغاربة لمكتسبات المرحلتين الابتدائية والثانوية يُعدّ شرطا لازما كي تتمكن الجامعات من لعب دورها المتمثل في نقل المعرفة وتعميقها.
منذ بداية ولايتها اشتغلت الحكومة على بلورة خارطة طريق طموحة بتشاور موسع مع كل الفُرقاء المعنيين لتحقيق طفرة على مستوى التعلمات من خلال إعادة النظر في المثلث البيداغوجي: التلميذ والأستاذ والمدرسة، وضمان انخراط كافة مكونات المجتمع في صياغة وتنفيذ خارطة الطريق 2022 – 2026 التي تهدف بالأساس إلى خفض نسبة الهدر المدرسي بمقدار الثلث، حيث يغادر أزيد من 300.000 طفل وشاب مقاعد الدراسة كل سنة، وتجويد المكتسبات والتعلمات في المدرسة من خلال زيادة معدل تمكين المتعلمين من الكفايات الأساسية إلى 70 بالمائة بدل المعدل الحالي الذي لا يتجاوز 30 بالمائة، فضلا عن توفير بيئة مناسبة وشروط ملائمة للمشاركة والنجاح داخل المدارس من خلال مضاعفة المستفيدين من الأنشطة المندمجة، إذ لا تتجاوز النسبة المسجلة حاليا للمستفيدين 25 % من الأطفال المتمدرسين.
الرأسمال البشري
جعلت الحكومة من تنمية الرأسمال البشري أحد دعامات ترسيخ الدولة الاجتماعية، عبر الالتزام بإنجاح مدرسة تكافؤ الفرص وتعزيز الاهتمام بالثقافة والرياضة، كمدخَلين أساسيين لتمكين كل المواطنين من حقهم الدستوري في التعليم الجيد وتمكينهم من الارتقاء الفردي والاجتماعي. إذ وضع البرنامج الحكومي تصورا متكاملا لضمان تكافؤ فرص التعليم من خلال ستة مداخل أساسية، ويتعلق الأمر بـ: تعميم التعليم الأولي لجميع الأطفال في سن الرابعة، وتقوية المهارات الأساسية منذ المرحلة الابتدائية خصوصا في مجالات القراءة والكتابة والحساب والبرمجة، وتعميم المدارس الجماعية والنقل والمطاعم المدرسية، ورد الاعتبار لمهنة التدريس، وتعزيز الكفاءات من خلال الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي، والتكوين المهني والمستمر.
تلامذة منفتحون
للوصول للأهداف المتوخاة، تسعى الحكومة إلى تمكين التلاميذ من التعلمات الأساسية وضمان مواصلتهم واستكمالهم لتعليمهم الإلزامي من خلال تعميم التعليم الأولي وضمان جودته لفائدة الأطفال بين 4 و6 سنوات، وتتبع ومواكبة وضعيات التلاميذ وضمان تحصيلهم للتعلمات الأساسية، وتوفير مسارات متنوعة منذ المستوى الإعدادي لتمكين كل تلميذ من تحقيق رغباته، وتوفير شروط جيدة للتمدرس والنجاح عبر آلية الدعم الاجتماعي (النقل المدرسي، المطاعم، الأقسام الداخلية، المدارس الجماعاتية…).
مُدرِّسون ملتزمون
وتعمل الحكومة على جعل الأساتذة قادرين وملتزمين التزاما كاملا بالمساهمة في تحقيق النجاح المدرسي للتلميذ من خلال توفير تكوين أساسي ومستمر ذي جودة للارتقاء المهني للأساتذة بدعم من هيأة التفتيش، وتثمين مجهودات الأطر التربوية والجسم التربوي لجعل مهنة التدريس أكثر جاذبية وتقدير التزامهم تجاه المتعلمات والمتعلمين، وتجديد المقاربات البيداغوجية والأدوات الرقمية لتسهيل عمل الأساتذة وتعزيز أثرهم على المتعلمات والمتعلمين.
مؤسسات تعليمية حديثة
ومن أجل توفير مؤسسات حديثة وعصرية ينشطها طاقم تربوي يتمتع بالحيوية والدينامية ويساهم في خلق مناخ وبيئة تعليمية محفزة يجب خلق فريق تربوي ملتحم مع المدير وفي حوار دائم مع الأسر وجعل المدرسة فضاء مفعما بالحياة والمتعة خارج الزمن المدرسي، مع مؤسسات حديثة وعصرية ينشطها طاقم تربوي حيوي يساهم في خلق بيئة تعليمية محفزة.
وفي إطار الارتقاء بالعرض المدرسي وربط المؤسسة التعليمية بالبنيات التحتية و المرافق الأساسية لمواجهة إشكالية البعد الجغرافي للأطر التربوية والإدارية، خاصة في الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص، عملت الحكومة على توطين وإحداث المدارس الجماعاتية بالمناطق القروية والجبلية للقضاء التدريجي على المدارس الفرعية وعقلنة تدبير الموارد البشرية وتوفير الشروط الملائمة للتمدرس، حيث بلغ عدد المدارس الجماعاتية على المستوى الوطني خلال الموسم الدراسي 2022-2023 ما مجموعه 273 مدرسة جماعاتية منها 19 مدرسة جماعاتية محدثة، وذلك بنسبة تطور بلغت 9 في المائة، بالإضافة إلى 76 مدرسة جماعاتية في طور الإنجاز.
في ذات السياق، يضطلع النقل المدرسي بدور أساسي في تشجيع التلاميذ على الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، والتقليص من نسبة الهدر المدرسي، وتأخر التلاميذ في الالتحاق بحجرات الدراسة وتحسين نتائج التحصيل الدراسي.
ومن أهم الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الإطار، توسيع شبكة النقل المدرسي، كبديل لبنيات الاستقبال، والاعتماد على أسطول الحافلات الذي بلغ 6055 حافلة خلال هذه السنة، كما تم أيضا توفير الدراجات الهوائية بالنسبة للمسافات القصيرة. ما مكَّن من الاستفادة من خدمة النقل المدرسي، حيث بلغ عدد المستفيدات والمستفيدين، ما مجموعه 442.604 تلميذة وتلميذا خلال الموسم الدراسي 2021-2022.