تجســيدا للإرادة الملكيــة الســامية الراميــة إلــى تعزيــز ركائــز الدولــة الاجتماعية وفــق نمــوذج وطنــي يضــع العنصر البشـري في صلب اهتماماتـه، بادرت الحكومة منــذ تنصيبهــا إلــى إعــداد رؤيــة اســتراتيجية مندمجــة للنهوض بقطاع الصحة، في إطار إصلاح هيكلي يهدف إلـى مواكبـة الـورش الملكـي لتعميـم التغطيـة الصحية الاجباريـة، مـن خـلال ضمـان خدمـات صحيـة ذات جـودة وفعاليـة، كفيلـة بتحقيـق ولـوج عـادل للعـلاج.
ومن أجـل تفعيل هذه الرؤية الاسـتراتيجية التي تهدف إلـى تعزيـز المنظومـة الصحيـة والرفـع من قدرتهـا على الاستجابة للتحديــات المســتقبلية، خاصــة علــى إثــر التداعيـات التـي عانـى منهـا العالـم وبلادنا خـلال جائحـة وبـاء كوفيـد19- كان مـن اللازم إعـداد ترسـانة قانونيـة جديـدة تسـتجيب للإصلاح الهيكلـي المنشـود.
وقد تمكنت الحكومة، بفضل الانخراط الجماعي لجميع الفاعلين المؤسسـاتيين، لاسيما البرلمان بمجلسـيه، مـن إصـدار ونشـر هـذه القوانيـن فـي الجريـدة الرسـمية قبـل متم نصف ولايتها. وفي هذا الإطار، صدر القانون الإطار رقـم 06.22 الـذي يشـكل الإطار القانونـي العـام لإصلاح المنظومـة الصحيـة الوطنيـة وإعـادة هيكلتها، والــذي انبثقــت عنــه عــدة قوانيــن وإجــراءات باشــرت الحكومــة تنزيلهــا علــى أرض الواقــع، فــي أفــق تحقيــق كافــة الأهداف المتوخــاة مــن هــذا المســار الإصلاحــي الطمـوح.
وفيمـا يخـص حكامـة القطـاع، فقـد سـارعت الحكومـة إلـى تنزيل مضامين هـذا الإصلاح الهام على المسـتوى المركـزي مـن خلال إرسـاء هيـكل تنظيمـي جديـد، وعلـى المستوى الجهوي استنادا لمبادئ الجهوية المتقدمة.
ومن هذا المنطلق، تـم إصدار قانون رقم 08.22 يتعلق بالمجموعـات الصحيـة الترابيـة، والـذي يهـدف أساسـا إلى دمـج الوحدات الاستشـفائية، الموجودة بـكل جهة، فــي إطــار مؤسســة عموميــة مســتقلة مسئولة علــى تنزيـل سياسـة صحيـة تسـتجيب لخصوصيـة كل جهـة، وتضمن الالتقائية والتنسيق بين كل مستويات العلاج وتدبيـره وفـق برنامـج طبـي جهـوي يعمـل على تحسـين المؤشرات الصحية، ويمكن المواطن من مسار عالجي محكم.
كمـا عملـت الحكومة علـى إحـداث الهيئة العليـا للصحة مــن خــلال القانــون رقــم 07.22 إيمانا منهــا بــأن نجــاح حكامـة قطـاع الصحـة يقتضي وجـود فاعل مؤسسـاتي مستقل، يعمل على ضمان استمرارية عمل الدولة في المجـال الصحـي ويتولـى التقييـم المسـتمر لسياسـتها الصحيـة، وكذا تقييم جودة الخدمات فـي القطاع العام والقطـاع الخـاص، وتأطيـر التأميـن الإجباري الأساسي عن المرض في إطار مشروع تعميم التغطية الصحية.
وحرصــا مــن الحكومــة علــى تعزيــز الســيادة الصحيــة لبلادنا فــي مجــال الأدوية والمنتجــات الصحيــة وتحقيــق نجاعــة حكماتيــة، قامــت بإصــدار القانــون رقــم 10.22 المتعلــق بالوكالــة المغربيــة للأدوية والمنتجــات الصحيــة، عــلاوة علــى القانــون رقم 11.22 المتعلق بالوكالة المغربية للدم ومشتقاته، نظـرا لمـا تكتسـيه هـذه المـادة الحيويـة مـن أهميـة فـي المنظومـة الصحيـة، باعتبارهـا جـزءا لا يتجـزأ مـن الحـق فــي العــلاج، والــذي يتعيــن علــى الدولــة العمــل علــى توفيـره لـكل مواطـن مغربـي.
وفي إطار تعزيز السيادة الدوائية، عملت الحكومة على عقـد عـدة اتفاقيـات للشـراكة والتعـاون مـع مجموعـة مـن الفاعليـن فـي مجـال المنتجـات الصحيـة والصناعـة الدوائيـة بالقطاعيـن العـام والخـاص، فضلا عـن تعزيـز مراقبــة جــودة الأدوية، وتعزيــز التأهــب والاستجابة لحالات الطــوارئ التــي تهــم الصحــة العامــة، وتوفيــر تقنيــات تطويــر الأدوية والتجــارب الســريرية المرتبطــة بالتكنولوجيــا الرقميــة بالمغــرب، والمســاهمة فــي تطويــر وتصنيــع الأجهزة الطبيــة لعــدة مجــالات، وكــذا إطلاق المشــروع الرقمــي services-e المتعلــق برقمنــة كل المســاطر الخاصــة بتســجيل الأدوية والمنتجـات الصحيـة.
ومـوازاة لذلـك، نهجـت الحكومـة سياسـة متواصلـة لمراجعـة وتخفيض أسـعار الأدوية، بحيــث قامــت بتخفيــض أســعار 364 دواء ســنة 2021 ، و264 دواء سـنة 2022 ، و 164 دواء سنة 2023 .
تثمين وتحفيز الموارد البشرية الصحية
وعيــا مــن الحكومــة بــأن تعزيــز المنظومــة الصحيــة بمــوارد بشــرية كافيــة ومؤهلــة لمواجهــة النقــص الحاصــل علــى المســتوى الوطنــي، وكــذا تثميــن هــذه المــوارد البشــرية وتحفيزهــا، همــا مدخــلان أساســيان لإنجاح هـذا الإصلاح، فقـد عملـت علـى تعزيـز الترسـانة القانونيــة المتعلقــة بالمــوارد البشــرية بالقانــون رقــم 09.22 المتعلق بالوظيفة الصحية، الذي يهدف أساسا إلـى منـح ضمانـات قانونيـة تتناسـب مـع طبيعـة عمـل مهنيي الصحة، وإرساء نظام تحفيزي للأجور.
وتجسيدا لنفــس الغايــة، عملــت الحكومــة علــى الرفــع مــن أجــرة الأطباء، منــذ الســنة الأولى مــن ولايتهــا، وذلــك مــن خـلال تخويـل الرقـم الاستدلالي 509 أي بزيـادة صافية تصــل إلــى 3800 درهــم شــهريا. كما تولـي الحكومـة أهميـة كبـرى للنهـوض بالأوضاع المهنيـة والإدارية لمهنيـي الصحـة بمختلـف فئاتهـم، حيث تمت تسـوية الوضعية الإدارية لقرابة 23 ألفا من مهنيــي الصحــة بترقيتهــم فــي الرتبــة والدرجــة، وذلــك إيمانـا مـن الحكومـة بـأن الاستثمار فـي تحفيـز العنصـر البشـري خيـر وسـيلة لتحسـين جـودة العـلاج.
وبالنظــر لحجــم الخصــاص الــذي يعانــي منــه القطــاع فيمــا يخــص كثافــة وتوزيــع المــوارد البشــرية الطبيــة، عملــت الحكومــة علــى وضــع برنامــج متعــدد الســنوات للرفــع مــن عــدد مهنيــي الصحــة قصــد بلــوغ الحــد الأدنى الموصــى به فــي هــذا الإطار مــن قبــل منظمــة الصحــة العالميــة والمتمثــل فــي عتبــة 23 مهنــي للصحــة لــكل 10.000 نســمة، مقارنــة مــع 17,4 مهنــي صحـة لـكل 10.000 نسـمة المسـجلة فـي سـنة 2021.
ومن أجل بلوغ هذا الهدف في أفق 2025 تم في يوليوز 2022 توقيــع اتفاقيــة إطــار بيــن القطاعــات الوزاريــة المعنيـة بغـلاف مالي يفـوق 3 ملايير درهم، تـروم تعزيز الطاقة التكوينية في المهن الطبية والتمريضية، حيث تم في هذا الصدد خلال السنوات الدراسية 2023-2022، 2024-2023 تســجيل 10.000 طالــب فــي كليــات الطــب والصيدلــة وطــب الأسنان و 15.725 بالمعاهــد العليــا للمهـن التمريضيـة وتقنيـات الصحة.
هــذا، بالمــوازاة مــع جملــة مــن الإجراءات المصاحبــة لضمــان جــودة التكويــن الطبــي، عملــت الحكومــة علــى إحـداث ثلاث كليـات للطـب بكل مـن كلميـم والرشـيدية وبنــي مــال، مرفقــة بثلاثــة مستشــفيات جامعيــة.
وسـيمكن هـذا الإجراء مـن ضمـان استقلالية كل جهة فـي تكويـن مواردهـا البشـرية وتدبيرهـا وفقـا للحاجيـات المحليــة. كمــا تــم الرفــع مــن عــدد المناصــب الماليــة المخصصــة للأساتذة الجامعييــن فــي الطــب مــن أجـل ضمـان تأطيـر بيداغوجـي قـادر علـى مواكبـة الرفـع التدريجــي مــن الطاقــة التكوينيــة، عبــر تخصيــص أزيــد مـن 1900 منصـب مالي جديد خلال الفتـرة الممتدة من 2022 إلى 2026 فضلا عن توسيع الطاقة الاستيعابية لكليــات الطــب والصيدلــة وكليــات طــب الأسنان، و تجهيزها بالوسائل الديداكتيكية الضرورية بغلاف مالي إجمالـي يقـدر بـ 1.7 مليـار درهـم برسـم الفتـرة الممتـدة مـن 2022 إلـى 2026، علاوة علـى إحـداث مراكـز محـاكاة بجميـع الكليـات، واعتمـاد أسـاليب بيداغوجيـة مبتكـرة.
وفـي سـياق متصـل، حرصـت الحكومـة علـى الرفـع مـن عــدد المناصــب الماليــة علــى مســتوى وزارة الصحــة والحمايـة الاجتماعية، حيث تم تسـجيل تطور ملموس فــي إحــداث عــدد المناصــب الماليــة، إذ بلــغ تعدادهــا 22000 منصب منــذ بدايــة الولايــة الحكوميــة، بنســبة اســتعمال ناهــزت 95% . أمــا فيمــا يخــص التكويــن المســتمر لمهنــي الصحــة، فقــد تــم تنظيــم 4624 دورة تكوينيـة لفائـدة 84309 مهنـي صحـة فـي مختلـف التخصصات، علاوة على إطلاق تكوين في طب الأسرة سيسـاهم بلا شـك في تحسـين جودة الرعايـة الصحية وتعزيــز صحــة المواطنيــن.
تأهيـل العـرض الصحـي
أمـا بخصـوص تأهيـل العـرض الصحـي، والـذي تعتبـره الحكومة أحد المداخل الأساسية لضمان جودة العلاج للمواطــن مــن جهــة، وضمــان ظــروف العمــل الجيــد لمهنيـي الصحة من جهة أخرى، فقد باشـرت الحكومة، منـذ السـنة الأولـى مـن ولايتهـا، إطلاق أوراش لإعادة تأهيل وبنـاء وحدات صحية تهم كل مسـتويات العلاج، وذلـك فـي إطـار مقاربتهـا الشـاملة والمندمجـة لخلـق فضــاء ســيحقق مســارا علاجيا يضمــن لــكل مواطــن الجـودة فـي العـلاج.
فعلـى المسـتوى الأول، أي على مسـتوى مراكـز الرعاية الصحية الأولية، والتي تلعب دورا هاما كمدخل لمسـار العـاج، قامت الحكومة بتنزيل مشـروع إحداث وتأهيل وتجهيـز مـا يقـارب 1400 مركـز صحـي مـن الجيـل الجديد على ثلاثة أشطر، وقد بلغت نسبة إنجاز هذا المشروع في نصـف ولايتها حوالي 40% . وفيما يتعلق بالمسـتوى الثاني والثالث من العلاج، أي المراكز الاستشـفائية الإقليمية والجهوية والجامعية، فقــد تــم إبــرام اتفاقيــة شــراكة تهــم إرســاء برنامــج عمــل مهيــكل لتأهيــل بنايــات هــذه المراكــز وتطويــر معداتهـا وتجهيزاتهـا، وذلـك بتكلفـة ماليـة تقـدر بمليار و700 مليــون درهــم. وتشــمل هــذه الاتفاقيــة 5 مراكــز استشــفائية جامعيــة بــكل مــن فــاس، والدار البيضــاء، والربــاط، ومراكــش ووجــدة. أمــا بخصــوص المراكــز الجهويــة والإقليميــة، فقــد هــم البرنامــج التأهيلــي خمسـة مراكـز استشـفائية بطاقـة سـريرية تبلـغ 1110 سـرير بـكل مـن الربـاط وتمـارة والدريـوش والراشـيدية والحســيمة، عــلاوة علــى خمســة مستشــفيات للقــرب بطاقـة سـريرية تبلـغ 25 سـريرا بـكل مـن أرفـود، وجـرف الملحــة، وأسفي, والمحاميــد. كمــا تــم إنجــاز مستشــفى النهــار بمرتيــل بطاقــة ســريرية تبلــغ 34 سـريرا، والمركـز الجهـوي للأنكولوجيـا بالناظـور بطاقـة ســريرية تبلــغ 40 ســريرا.
كما قطعت الحكومة أشواطا مهمة لتبسيط مختلف الإجراءات المتعلقة بمسار العلاجات وتدبير العمليات الإدارية، وذلك عبر إحداث منظومة معلوماتية مندمجة لتجميــع ومعالجــة واســتغلال كافــة المعلومــات الأساسية الخاصة بالقطاع، ودمجه مع أنظمة الحماية الإجتماعيـة الأخـرى وفـق مسـار محكـم وآمن. وقـد بات هذا الورش يتجسـد اليوم فعليا على أرض الواقع وفي مختلف جهات المملكة، حيث دخل النظام المعلوماتي الجديد حيز الخدمة على مسـتوى المراكز الاستشفائية الكبـرى، وتـم تعميمـه علـى المسـتوى الوطني ليشـمل المراكــز الصحيــة والمســتوصفات. كمــا يتــم العمــل حاليــا علــى مشــروع تشــغيل منصــات توافقيــة للربــط بيـن الأنظمـة المعلوماتيـة والمستشـفيات العمومية مع قاعـدة بيانات وطنيـة، بالإضافة إلى توقيـع اتفاقية بين الإدارات المعنية لوضع اللبنات الأساسـية لإخراج البطاقـة الصحيـة الذكية.
وقــد تــم، تحــت الإشــراف الملكــي الســامي، إعطــاء الانطلاقة لمشـروع برنامج الوحـدات الصحية المتنقلة المجهــزة بتقنيــات الاتصــال عــن بعــد، يــروم تحســين ولـوج سـاكنة العالـم القـروي للخدمـات الصحيـة، حيـث يســتند تنفيــذ هــذا البرنامــج، فــي مرحلــة أولــى تمتــد لسـنة واحدة، إلى نشـر 50 وحدة صحية متنقلة مجهزة بتقنيــات الاتصــال عــن بعــد علــى مســتوى 40 إقليمــا بكلفــة ماليــة تناهــز 180 مليــون درهــم.
وضمانــا لاســتمرارية الخدمــات الصحيــة والاســتجابة لحاجيــات ســاكنة المناطــق المتضــررة بفعــل موجــات البـرد، عملـت الحكومـة علـى تفعيـل عمليـة “رعايـة” كل سـنة ابتداء من شهر نونبر إلى مارس، وقد استهدفت هـذه العمليـة برسـم سـنة 2023 ، مـا مجموعـه 1 مليـون شـخص فـي 31 إقليمـا منتميـا لـ 8 جهـات، 1146 دوارا، بكلفــة تفــوق 12.7 مليــون درهــم، عبــر تقديــم خدمــات صحيـة للقرب في الطب العـام والتخصصات، والتكفل بالمرضى والحالات المسـتعجلة، وبنـاء وحدات صحية، وتنظيـم 175 قافلـة طبيـة، إضافـة إلـى برمجـة أزيـد مـن 3766 زيــارة ميدانيــة للوحــدات الطبيــة المتنقلــة، مــع تعبئـة أزيـد مـن 2000 مهنـي صحـة، و745 مركـزا طبيـا، و375 سـيارة إسـعاف.
أخيـرا، وبالنظر إلـى حجم الإنجازات التـي طبعت حصيلة نصـف الولاية الأولى في المجال الصحي، فإن الحكومة عازمــة علــى مواصلــة الاشــتغال بــكل جديــة للتنزيــل الأمثـل لهـذا الـورش الملكـي. ولهـذه الغايـة، ستسـخر كل الإمكانيــات الضروريــة. كمــا ســتعمل علــى تعبئــة مختلـف الفاعليـن مـن أجـل مواصلـة الإصلاح والارتقاء بجـودة الخدمـات الطبيـة لصالـح كل الأسـر المغربيـة.