توقعت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2024 انتعاشا بمعدل يناهز 3.7 بالمائة عوض 3.4 بالمائة المرتقبة سنة 2023على الرغم من البيئة الدولية جد المضطربة.
وأبرزت وزيرة الاقتصاد والمالية خلال تقديمها عرضا حول “تنفيذ قانون المالية لسنة 2023، وإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024، والبرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات 2024-2026″، أمام المجلس الحكومي، أن هذه التوقعات يمكن خفضها في حال استمرار تدهور آفاق الاقتصاد العالمي سنة 2024 ومراجعة توقعات النمو الخاصة بالاتحاد الأوروبي بسبب تداعيات الصراع الروسي الأوكراني وأثرها على أسعار المواد الأولية وسلاسل الإنتاج والتوريد العالمية بالموازاة مع تشديد في الأوضاع المالية وتأثير شديد للسياسة النقدية في سياق ارتفاع المديونية واستمرار التضخم وتراكم الديون السيادية الشاملة في الاقتصادات الناشئة والنامية.
وتابع مجلس الحكومة، ليوم الخميس 13 يوليو 2023، عرضا قدَّمته وزيرة الاقتصاد والمالية، قالت فيه إنه “في الوقت الذي لم يتم فيه التعافي المطلق من الآثار المتبقية من أزمة “كوفيد 19″، انضافت تبعات الصراع الروسي الأوكراني والجفاف للسنة الثانية على التوالي لتأثر سلبا على آفاق نهم الاقتصاد الوطني، وعلى الرغم من هذا السياق، وبفعل الدينامية الإيجابية لبعض القطاعات غير الفلاحية، لم يتجاوز تحيين انخفاض نمو الاقتصاد الوطني لسنة 2023، 0.6 نقطة”.
وسجَّلت الوزيرة نادية فتاح، أن جملة من القطاعات عرفت نموا مُحفزا على رأسها قطاع “صناعة السيارات” و”صنع الأجهزة الكهربائية” و”صناعة منتجات معدنية”. كما تزايد عدد السياح الوافدين بـ 21 بالمائة متم شهر يونيو مقارنة بمتم يونيو 2019 وعدد ليالي السياحة بـ 1.7 بالمائة متم شهر ماي مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019، علاوة على ارتفاع الرواج الخاص بالمسافرين عبر المطارات بـ 5.3 بالمائة متم شهر ماي مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019.
أما بخصوص القطاعات ذات النمو السلبي، فذكرت الوزيرة انخفاض رقم مبيعات المكتب الشريف للفوسفاط بـ ـ27.8 بالمائة، خلال الفصل الأول لسنة 2023 نتيجة تراجع الطلب وسعر بيع جميع المنتوجات، وانخفاض القروض البنكية الممنوحة للمنعشين العقاريين خلا شهر ماي، وانخفاض إنتاج الطاقة المحلية إثر تراجع إجمالي الصافي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بـ 9 بالمائة.
وسجل عرض وزيرة الاقتصاد والمالية، مسارا تنازليا تدريجيا للتضخم بفضل التدابير الاستعجالية المواكبة لتشديد السياسة النقدية، لافتة إلى أن الضغوط التضخمية الخارجية تحولت تدريجيا إلى ضغوط داخلية منذ بداية الفصل الثاني من سنة 2022 لتنتشر إلى السلع المحلية، زيادة على الجفاف والإجهاد المائي اللذين زادا من حدة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الطرية.
وقالت المتحدثة أمام أعضاء المجلس الحكومي، إن التضخّم ومكونه الأساسي عرفا تراجعا تدريجيا بعد بلوغ ذِروتهما شهر فبراير 2023، وينتظر أن يتواصل التوجه التنازلي للتضخم بالنظر إلى انخفاض الأسعار الدولية للمواد الأولية وتلاشي توترات سلاسل الإمداد والتراجع الملحوظ لأسعار الشحن البحري، بالإضافة إلى الاستيعاب الكلي للتأثيرات التراكية للارتفاعات السابقة التي عرفها سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب، وتظافر الجهود لمواكبة التوجه التقييدي للسياسة النقدية، لاسيما التدابير والإجراءات الاستعجالية التي اتخذتها الحكومة من أجل التخفيف من تداعيات التضخم على الأسعار المحلية وتوفير المواد الأساسية بأثمنة تتماشى مع القدرة الشرائية للأسر وأنشطة بعض القطاعات.
وكشفت المعطيات فقدان 280 ألف منصب شغل ما بين الفصل الأول من سنة 2022 والفصل الأول من سنة 2023، حيث تم فقدان 247 ألف منصب على مستوى قطاع الفلاحة والغابة والصيد و56 ألفا على مستوى قطاع الخدمات و1ألف منصب على مستوى قطاع الصناعة، مع إحداث 28 ألف منصب على مستوى قطاع البناء والأشغال العمومية، مسجلا ارتفاع معدل البطالة بـ 0.8 نقطة على المستوى الوطني إلى 12.9.
“وعن أهم تطورات المبادلات الخارجية حتى متم مايو 2023، عرف نمو التجارة الخارجية للسلع تباطؤا في ظل سياق دولي اتسم بتراجع النمو العالمي خاصة في منطقة الأورو الشريك الرئيسي للمغرب وارتفاع مخاطر الركود” تورد الوزيرة.
ولفَتت وزيرة الاقتصاد والمالية، إلى الارتفاع الطفيف لعجز الميزان التجاري بنسبة 1.7 بالمائة نتيجة ارتفاع الصادرات بنسبة 3.6 بالمائة والواردات بنسبة 2.8 بالمائة. مع استمرار دينامية تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج بتسجيل زيادة قدرها 14.9 بالمائة، وانتعاش قوي لعائدات السفر +19.4 مليار درهم، متجاوزة بشكل كبير مستوياتها المسجلة قبل أزمة الوباء، بالإضافة إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب بنسبة 11.9 بالمائة واستقرار سعر صرف الدرهم تدخل نطاق التقلبات %5± مما يعكس ثقة الفاعلين الاقتصاديين في صلابة الاقتصاد الوطني.
وسجَّل العرض ارتفاعا طفيفا في عجز الميزان التجاري للسلع بنسبة 1,7% أو 1,9 مليار درهم، فيما عرفت مبيعات الفوسفاط ومشتقاته انخفاضا حادا (-34%) نتيجة لانخفاض الأسعار، مع تعزيز الصادرات دون احتساب الفوسفاط ومشتقاته بنسبة 17,1% بفعل تأثير ارتفاع السعر بنسبة 10,6% وتأثير ارتفاع الحجم بنسبة 5,9% . كما عرفت القطاعات التصديرية الأخرى أداءً جيدا، ولاسيما قطاع السيارات، وقطاع النسيج والجلد، وقطاع الإلكترونيات والكهرباء، علاوة على ارتفاع الواردات بنسبة 2,8% نتيجة زيادة مشتريات سلع التجهيز والمنتجات الاستهلاكية الجاهزة والمنتجات الغذائية.
وتوقعت وزيرة الاقتصاد والمالية، أن لا يتجاوز عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات نسبة %2.5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023 بفضل تحسن أسعار الواردات والتطور الايجابي لصادرات المهن الجديدة، وكذا استمرار انتعاش النشاط السياحي ودينامية تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، ويُتوقع أن يبقى مستوى الاحتياطيات الأجنبية لدى بنك المغرب في مستوى يناهز 6 أشهر من واردات السلع والخدمات.
قانون مالية 2023 إلى متم يونيو
أما بخصوص تنفيذ قانون المالية خلال الأسدُس الأول من السنة الجارية، فأبرزت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، أنه تمّ في سياق لا يزال يتسم باستمرار الضغوط التضخمية وتشديد السياسات النقدية على الصعيدين الدولي والوطني.
“وفي ظل هذا السياق، تواصل الحكومة مجهوداتها للتوفيق بين مواجهة الضغوطات التضخمية عبر التدابير الظرفية للتحكم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوفاء، بالالتزامات الحكومية، من خلال تنزيل الإصلاحات الضرورية على المستوى الاجتماعي، وتعبئة الموارد المائية وتحفيز الاستثمارات، ومن جهة أخرى، العمل على ضمان استعادة الهوامش الميزانياتية.” تقول المتحدثة.
وأوردت معطيات العرض، أن المقارنة مع نتائج الأسدس الأول من 2022، عرفت ارتفاع النفقات الجارية بحوالي 1.2 مليار درهم أو 0.8 بالمائة، تعود بالأساس لارتفاع نفقات “السلع والخدمات” بمبلغ 4.8 مليار درهم وفوائد الدين بمبلغ 1.5 مليار درهم في حين سجلت تحملات المقاصة تراجعا بحوالي 5.1 مليار درهم، ويعزى تطور تحملات المقاصة أساسا إلى الانخفاض الذي عرفه سعر غاز البوتان في الأسواق الدولية.
وأبرزت المسؤولة الحكومية، أنه نتيجة لهذه التطورات، وأخذا بعين الاعتبار للفائض الذي سجلته الحسابات الخصوصية للخزينة +13.3 مليار درهم، ارتفع عجز الميزانية بمبلغ 9.6 مليار درهم ليبلغ 27.8 مليار درهم، ويمثل هذا المستوى من العجز حوالي 42.3 بالمائة من المستوى المتوقع برسم قانون المالية.
واعتمادا على النتائج المحصلة في متم النصف الأول من السنة، وفق ما أوردته المتحدثة، وكذا آفاق تطور الإطار الماكرو اقتصادي خلال الأشهر المتبقية من السنة، وبالنظر إلى كلفة الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من تداعيات الضغوطات التضخمية والجفاف، ينبغي اتخاذ التدابير اللازمة على مستوى كل من الموارد والنفقات من أجل حصر عجز الميزانية في المستوى المستهدف في إطار قانون المالية لسنة 2023، أي في حدود 4.5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وخلُص العرض المقدم أمام المجلس الحكومي، أنه بالرغم “من استمرار السياق الصعب والتقلبات الدولية، يحافظ الاقتصاد الوطني على صموده بفضل السياسات المتبعة، مما يعزز ثقة المجتمع المالي الدولي التي تعتبر عاملا أساسيا في تعبئة التمويلات بتكلفة منخفضة وفي استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة”.