يعيش المغرب في ظل حالة “طوارئ مائية” منذ يوليوز 2022، بعدما أعلنت الحكومة ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة النقص الحاد للموارد المائية، وهي وضعية مقلقة من شأنها أن تؤثر على قدرة الأفراد في الولوج إلى الاستعمال اليومي للموارد المائية، كما أنها تؤثر على الأنشطة الاقتصادية وتضُر بجهود التنمية بسبب ما ينجم عنها من ظواهر وخيمة على النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
وتعتبر موجة الجفاف التي تعرفها بلادنا، الأقوى منذ عدة عقود مضت، حيث لم يعرف المغرب عجزا مائيا بهذه الوتيرة منذ 76 سنة الماضية، وهو تحول خطير ينذر بمخاطر كبيرة. وهي المستجدات التي استلزَمت ضرورة التعامل مع مشكل الجفاف باعتباره معطى بنيويا وطنيا وليس أزمة ظرفية، بفعل التغيرات المناخية التي أصبحت تهدد بشكل مضاعف المنظومة الوطنية للأمن المائي.
من هذا المنطلق، اعتمدت الحكومة منهجية لمعالجة أزمة الماء والتخفيف من حدتها، وفق التوجيهات الملكية السامية، الرامية إلى مضاعفة الجُهود ورفع جملة من التحديات التي تحيط بهذا الورش الحيوي، تروم التدبير الجيد للطلب وترشيد الاستعمالات والتسريع بوتيرة البنيات التحتية في هذا القطاع.
عناية ملكية والتزام حكومي
أَوْلى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عناية خاصة لاستباق تداعيات الإجهاد المائي واستشراف فرص الاستثمار المنتج في هذه المادة الحيوية، عبر الرفع من درجة التأهب واليقظة وحثِّ الفاعلين المعنيين على تدارك الخصاص المسجل، خاصة أمام تزايد الطلب على الماء في ظل ظروف مطبوعة بعدم اليقين، مع التركيز على مواصلة تفعيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء ومياه السقي 2020-2027.
هذا البرنامج الوطني مكَّن من اتخاذ تدابير مهمة، عبر تزويد العديد من الأقاليم والجهات بمياه الشرب بشكل كاف في السنوات الأخيرة، وإنجاز الربط بين حَوْضَي سبو وأبي رقراق، وتشغيل محطَّتَي تحلية المياه بأكادير وآسفي/الجرف الأصفر.
وبالإضافة إلى جلسة العمل الملكية في التاسع من ماي 2023 التي خُصصت لتتبع البرنامج الوطني للماء، ترأس جلالة الملك، نصره الله، جلسة العمل الملكية بتاريخ 16 يناير 2024 خُصصت لإشكالية الماء.
خلال أشغال هذه الجلسة، قدمت الحكومة عرضا حول الوضعية المائية، والتي عرفت خلال الفترة الممتدة من شتنبر 2023 إلى منتصف يناير 2024، تسجيل عجز في التساقطات بلغت نسبته 70 بالمائة مقارنة مع المعدل، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 بالمائة مقابل 31.5 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
إلى ذلك عرض الوزير المكلف بالتجهيز والماء، نزار بركة، مخطط العمل الاستعجالي، الرامي لضمان توفير المياه الصالحة للشرب، لاسيما في المدن والمراكز والقرى التي تعرف عجزا أو من المحتمل أن تعرفه. والذي سيتم تنزيله على مستوى مختلف الأنظمة المائية بالمملكة.
ويشمل المخطط مجموعة من الإجراءات على المدى القصير، كالتعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة، وإقامة تجهيزات استعجالية لنقل الماء والتزويد به، إلى جانب اتخاذ إجراءات لتقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، وطبقا للتوجيهات الملكية السامية، تم الالتزام بتسريع وتيرة إنجاز الأوراش المبرمجة التي لها وقع على المدى المتوسط، وخصوصا السدود في طور التشييد ومشاريع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع، والبرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، فضلا عن برنامج إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة وبرنامج اقتصاد الماء على مستوى شبكة نقل وتوزيع الماء الصالح للشرب ومياه الري.
ومن أجل مضاعفة اليقظة والجهود لرفع تحدي الأمن المائي وضمان التزويد بالماء الشروب على مستوى جميع مناطق المملكة. دعا جلالة الملك الحكومة إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم مع المواطنين حول تطورات الوضعية المائية والتدابير الاستعجالية التي سيتم تفعيلها، فضلا عن تعزيز توعية الرأي العام بأهمية الاقتصاد في استهلاك الماء ومحاربة جميع أشكال تبذير هذه المادة الحيوية واستخداماتها غير المسئولة.
مجهودات حكومية.. ومنجزات مائية
منذ بداية الولاية، تنبَّهت الحكومة لإشكالية “الإجهاد المائي” وتم العمل على إدماجها في مختلف السياسات العمومية. حيث وضعت الحكومة تصورا واضحا لتعزيز الحكامة المائية يتضمن بشكل خاص ضمان توزيع عادل للموارد المائية مجاليا، وتسريع واستكمال وتيرة المخططات الوطنية للماء، إلى جانب مواصلة تنزيل برامج السدود وتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الأمطار والمياه العادمة، وتحسين مردودية مخططات مياه السقي والشرب، والحفاظ على معادلة الأمن المائي ـ الأمن الغذائي.
وتلبية للاحتياجات من الماء الصالح للشرب والسقي الفلاحي وتوفير الماء للأنشطة الصناعية والسياحية، فضلا عن الرفع من مستوى إنتاج الطاقة الكهرومائية والحماية من الفيضانات، أشرفت الحكومة على استمرارية استكمال البنيات التحتية المائية لتعزيز العرض الوطني من هذه المادة الحيوية.
وإلى غاية متم سنة 2023 وبداية سنة 2024 تتوفر بلادنا على رصيد مهم من المنجزات الأساسية في مجال تعبئة المياه، مع إطلاق سلسلة من المشاريع الجديدة، تتمثل في:
1ـ تطوير عرض السدود: حيث تم بلوغ 153 سدا كبيرا بسعة تخزينية تقدر بـ 19,9 مليار متر مكعب، فضلا عن 141 سدا صغيرا، ستمكن في مجملها من توفير مياه الشرب والمياه الصناعية والسياحية، وضمان وتيرة جيدة في مجال الري الفلاحي.
2ـ الربط بين الأنظمة المائية: عبر إنجاز الشطر الاستعجالي بين حوض سبو وأبي رقراق بصبيب 15 متر مكعب في الثانية بتكلفة 6 مليارات درهم، تهدف إلى تأمين التزود بالماء الشروب للمنطقة الساحلية الرباط-الدارالبيضاء ومراكش الكبرى وتقليص العجز بالمناطق السقوية لدكالة وسهل برشيد ومناطق بني موسى وتساوت السفلى.
3ـ تحلية مياه البحر: إذ شرعت الحكومة في تنزيل خارطة طريق جديدة ومندمجة لرفع القدرة من المياه المحلاة وطنيا، من 186.58 مليون متر مكعب سنويا إلى 1400 مليون متر مكعب، وإطلاق مشروع محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء الكبرى لبلوغ قدرة إنتاجية تصل إلى 300 مليون متر مكعب سنويا.
كما تم إطلاق طلب عروض إنجاز محطة لتحلية مياه البحر بالجهة الشرقية، فضلا عن مواصلة الأشغال بمحطتي تحلية مياه البحر بكل من آسفي والجديدة، تهم بلوغ قدرة إنتاجية تصل إلى 110 مليون متر مكعب سنويا.
4ـ السدود التلية والصغيرة: حيث تم استكمال تنزيل البرنامج المتعدد لسنوات 2022-2024 بقيمة 4,27 مليار درهم لإنجاز 129 مشروعا، بطاقة إجمالية تصل إلى 471 مليون متر مكعب.
5ـ تعزيز تزويد ساكنة العالم القروي بالماء الشروب: عبر برنامج للشراكة والتمويل لفترة 2022-2024 بغلاف إجمالي قدره 4,31 مليار درهم، سيهم إنجاز حوالي 136 مشروع، حيث تمت برمجة غلاف 1,58 مليار درهم برسم سنة 2024.
6ـ إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة: حيث تهدف الحكومة من خلال هذا المحور إلى تعبئة 100 مليون متر مكعب سنويا بحلول سنة 2027 بتكلفة إجمالية تقدر بـ 3 مليار درهم.
معالجة تداعيات الجفاف
من أجل التصدي لآثار الجفاف على القطاع الفلاحي، شرعت الحكومة في اتخاذ جملة من الإجراءات لتميكن الأنشطة الزراعية من استرجاع حيويتها ودعم سلاسل الإنتاج الأساسية ضمانا للأمن الغذائي الوطني، من خلال تنزيل محاور استراتيجية الجيل الأخضر.
واعتمدت التدابير على تعبئة وعصرنة أنظمة الري واقتصاد مياه السقي، ناهيك عن وضع برامج استثنائية للتخفيف من آثار نقص التساقطات المطرية بقيمة إجمالية تقدر بـ 20 مليار درهم خلال سنتي 2022 و2023، من أجل تقديم المساعدة اللازمة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين.
وتم الارتكاز على الاستثمار في النجاعة المائية واقتصاد مياه السقي، وتشجيع الفلاحة المقاومة للتغيرات المناخية، إلى جانب توسيع الري بالتنقيط والري التكميلي وتطوير وتعزيز التدبير المندمج والفعال للري، ثم تطوير وتعزيز تقنيات الإدارة المستدامة للمياه والتربة وترويج مناهج جديدة للزراعة المحافظة على الموارد.
التزود بالماء الشروب
يهدف برنامج تقليص الفوارق المجالية والترابية في المناطق القروية الذي يغطي الفترة 2017 _ 2023، إلى فك العزلة عن سكان المناطق القروية والجبلية وتحسين جودة الحياة، وتعميم حصول الساكنة المحلية على الخدمات الأساسية (خاصة الماء الصالح للشرب)، بالإضافة إلى تهيئة الظروف اللازمة لتعزيز وتنويع الإمكانيات الاقتصادية للمناطق القروية والجبلية.
وإلى غاية نهاية سنة 2023، تمكنت الحكومة من تسجيل تقدم كبير في إنجازات هذا البرنامج الملكي الطموح، حيث أن توسيع شبكة التزود بالماء الصالح للشرب، عرفت تحقيق العديد من المنجزات على رأسها إنجاز 667 منظومة للماء الصالح للشرب، وتوسيع الشبكة بـ 1.084 كلم من القنوات الخاصة بالتزويد بهذه المادة الحيوية.
كما تم الانتهاء من 26.318 عملية للربط الفردي والمختلط والنافورات، واستهداف المجالات الجبلية بـ 491 منظومة للماء الصالح للشرب و%82 من عمليات التوصيل الفردية والمختلطة والنافورات. ليرتفع بذلك عدد الجماعات من فئة (5) و(6) حسب مؤشر الربط بالماء الشروب، من 791 سنة 2016 إلى 919 نهاية سنة 2022، أي بزيادة 128 جماعة (ضمنها 95 جماعة بالمجالات الجبلية).
كما مكنت مشاريع الربط بالماء الصالح للشرب، من التقليص على التوالي من المسافة والمدة الزمنية اللازمة للتزود بالماء بنسبة 81٪ و82٪، وتحسين جودة مياه الشرب بنسبة 95٪ على مستوى الربط الفردي و ٪65 على مستوى النافورات.