تقـود الحكومة منـذ تنصيبهـا وبتوجيهات ملكية سـامية إصلاحات اجتماعية وتنموية غير مسبوقة، رغم الظرفية العالمية والوطنية والمناخية الصعبة الناتجة عن تقاطع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وآثار جائحة كوفيد19- وتداعيات زلزال الحوز واسـتمرار أزمة الجفاف الحاد.
كل هـذه العوامـل أعـادت ترتيـب سـلم أولويـات بلادنـا، لكــن الإرادة السياســية والوطنيــة الصادقــة كانتــا المحرك الأساسـي لعمـل الحكومة وللوتيرة السـريعة التــي اشــتغلت بهــا، للخــروج مــن الأزمــة بشــكل أقــوى وتحويـل التحديات إلـى فرص وتعزيـز السـيادة الوطنية فــي المجــالات الاســتراتيجية. لذلـك، كان لِزامـا أن تتوجـه مختلـف الجهـود الحكوميـة نحــو تنزيــل الأوراش الملكيــة الاجتماعيــة لتحقيــق الأهــداف التــي ســطرها البرنامــج الحكومــي، لاســيما فيمـا يتعلـق بالسياسـات العموميـة الموجهـة للأسر.
ويأتـي الاهتمـام الـذي توليـه الحكومـة للأسـرة في سـياق وطنـي ملائـم، يتميـز خاصـة بوضـع جلالـة الملـك لقضيـة الأسرة علــى رأس السياســات الوطنيــة فــي بعدهــا القانونــي، وذلــك مــن خــلال التكليــف الســامي لرئيــس الحكومة برفع مقترحات تعديل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونـة الأسـرة إلـى النظـر السـامي لجلالة الملـك، أميـر المؤمنيــن، والضامــن لحقــوق وحريــات المواطنيــن.
وبفضــل تعبئــة وفعاليــة مختلــف التدخــلات الحكوميــة الموجهـة للأسـرة المغربيـة، تمكنـت الحكومـة، تفعيـلا للتوجيهـات الملكيـة السـامية، من إسـدال السـتار على حصيلة مرحلية مشرفة فيما يتعلق بتنزيل السياسات الموجهــة للأســرة المغربيــة، لاســيما فــي مجــالات الصحـة والحمايـة الاجتماعيـة والتعليـم والسـكن.
كمـا أن الحكومـة تشـتغل بـكل جديـة ومسـؤولية، منـذ تنصيبهــا لتنزيــل الــورش الملكــي للإصــلاح الشــامل للحمايـة الاجتماعيـة كمجال للتدخل الاسـتراتيجي، بات يسـاهم فـي حماية الأسـر مـن تقلبـات الحياة وتحسـين ظروفهـا المعيشـية.
ولقـد جعلـت الحكومـة الأسـرة المغربية، وخاصـة منها ذات الدخـل المحـدود، محـور سياسـاتها متعـددة الأثـر.
وهكذا نجحت، وفي ظرف وجيز، في تنزيل مجموعة من الأوراش الاجتماعية الكبرى، ومن بينها على الخصوص الدعــم الاجتماعــي المباشــر، ودعــم الســكن وتعميــم التغطيــة الصحيــة، خصوصــا لفائــدة الأســر الهشــة، ووضع أسـس عـرض صحي جديد قـادر على الاسـتجابة لحاجيـات الأسـر محـدودة الدخـل.
كمـا أن المنجز الحكومي للنصف الأول من الولاية تميز بعـدد من المنجزات التي تخدم الأسـرة، باعتبارها هدفا للسياسات العمومية، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، وذلك من خلال تبني إجراءات وإصلاحات هيكليـة فـي إطـار ديمقراطـي تشـاركي، عبـر آليـة الحـوار الاجتماعـي، والتـي أفضـت إلـى منـح فئـات عريضـة مـن الموظفين والأجراء العديد من المكتسبات، مما يؤكد التوجـه الديمقراطي والاجتماعي لهذه الحكومة.
وفـي هذا الإطـار، يجـدر التذكيـر بالزيـادة في الحـد الأدنى لأجــور فــي القطاعيــن العــام والخــاص، بالإضافــة إلــى تحقيــق إنجــازات غيــر مســبوقة فــي مجــال تحســين وضعيــة هيئــة التدريــس، وأســاتذة التعليــم العالــي ومهنيــي الصحــة ومســاعدي الســلطة وغيرهــم، وهــو مـا كان لـه أثـر مباشـر علـى 420 ألـف أسـرة. كمـا عملـت الحكومــة علــى الرفــع مــن قيمــة المعاشــات وتخفيــف الضريبــة علــى الدخــل بالنســبة للأجــراء والمتقاعديــن ذوي الدخــل المتوســط.
وخلاصة، يمكن الجزم بأن المقاربة الحكومية نجحت في إدماج البعد الأسري في مختلف السياسات العمومية التـي أطلقتها، وتنفيذ جيل جديد مـن الخدمات لمواكبة الأســر ومســاعدتها علــى الحفــاظ علــى اســتقرارها واسـترداد دورهـا فـي التنشـئة الاجتماعية.
تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية
لقـد وضعـت الحكومـة هدف تعزيـز ركائز أسـس الدولة الاجتماعيــة علــى رأس أولويــات برنامجهــا الحكومــي، وذلـك وفـق رؤيـة تجمـع بيـن ترصيـد المكتسـبات التـي راكمتهــا بلادنــا بقيــادة ملكيــة حكيمــة فــي المجــال الاجتماعــي، وتقديــم حلــول هيكليــة لمعالجــة مكامــن الهشاشـة التـي تشـوب بعـض السياسـات العموميـة المرتبطــة بتنميــة الرأســمال البشــري.
وبخطـى واثقـة وحثيثـة تواصـل الحكومة، بقيـادة ملكية متبصــرة، تنزيــل الأوراش والبرامــج والمخططــات الاسـتراتيجية الرامية إلـى تعزيز دعائم الدولـة الضامنة لحقــوق المواطنيــن الاقتصاديــة منهــا والاجتماعيــة، باعتبارهـا خيـارا لا رجعـة فيـه ولبنـة أساسـية فـي بنـاء صــرح الدولــة الاجتماعيــة. فقــد قطــع المغــرب، خــلال النصــف الأول مــن هــذه الولايـة الحكوميـة، أشـواطا متقدمـة علـى درب التنزيـل الفعلـي لمختلـف الأوراش الاجتماعيـة، وفـي مقدمتهـا مشــروع تعميــم التغطيــة الصحيــة الإجباريــة وورش الدعـم الاجتماعـي المباشـر وبرنامـج دعـم السـكن وكـذا مأسسـة الحـوار الاجتماعي، والتـي تعد آليات أساسـية لتمكيـن المواطـن مـن شـروط العيـش الكريـم تحقيقـا للتنميـة فـي كافـة المجـالات.
ولا خلاف أن ملايين الأسر المغربية ستستفيد بشكل أو بآخــر مــن آثــار هــذه الأوراش، التــي حتمــا ستحســن وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل الإكراهات القائمــة والرهانــات المجتمعيــة للمواجهــة الهيكليــة لمخاطـر تقلبـات الحيـاة.
ورش مراجعة مدونة الأسرة
تجسـيدا للعنايـة المولويـة الخاصـة التـي يوليهـا جلالـة الملــك نصــره الله للنهــوض بقضايــا المــرأة والأســرة وحــرص جلالتــه علــى توفيــر أســس تماســك الأســرة، وجــه صاحــب الجلالة حفظــه الله رســالة ســامية إلــى رئيس الحكومة، بتاريخ 26 شتنبر 2023 في شأن إعادة النظــر فــي مدونــة الأســرة. ومــن خــلال هــذه الرســالة، أعطـى جلالة الملـك توجيهاته السـامية بإحـداث الهيئة المكلفــة بمراجعــة مدونــة الأســرة، التــي تتشــكل مــن وزيــر العــدل والرئيــس المنتــدب للمجلــس الأعلــى للســلطة القضائيــة ورئيــس النيابــة العامــة والأميــن العــام للمجلــس العلمــي الأعلــى ورئيســة المجلــس الوطنــي لحقــوق الإنســان ووزيــرة التضامــن والإدمــاج الاجتماعــي والأســرة.
وتنفيــذا للتعليمــات الــواردة فــي الرســالة الملكيــة الســامية، عملــت الهيئــة المكلفــة بمراجعــة مدونــة الأسـرة، فـي إطـار مقاربـة تشـاركية واسـعة، علـى عقـد جلسـات اسـتماع مع مختلف الفاعلين المؤسسـاتيين ومنظمـات المجتمـع المدنـي العاملة فـي مجال حقوق الإنســان وحقــوق المــرأة والطفولــة، بالإضافــة إلــى القضــاة والممارســين والخبــراء.
وبالنظــر للتكليــف الملكــي الســامي لرئيــس الحكومــة برفــع مقترحــات التعديــل التــي انبثقــت عــن هــذه المشــاورات التشــاركية الواســعة إلــى النظــر الســامي لجلالة الملــك، أميــر المؤمنيــن، فقــد توصــل رئيــس الحكومـة مـن الهيئـة المكلفـة بمراجعـة مدونة الأسـرة بمقترحـات التعديـل، ورفعهـا إلـى المقـام العالي لأمير المؤمنيـن، وفـق الموعـد الـذي حـدده جلالة الملـك، رمز إجمــاع الأمة والمعبــر الأسمى عــن الإرادة العامــة.
وبعــد المصادقــة الملكيــة الســامية علــى مقترحــات الهيئــة، ســتتخذ الحكومــة المبــادرة التشــريعية مــن أجل إعـداد الصيغـة النهائيـة للتعديلات وذلـك في أفق عرضهــا علــى مصادقــة البرلمــان.