جعلــت الحكومــة مــن اســتقرار التوازنــات الماكرو اقتصادية إحدى أولوياتها الكبرى، حتى تضمن فعاليــة البرامــج الاقتصادية والاجتماعية المعتمــدة وتوفــر الشــروط الملائمة للمبــادرات الاستثمارية الخاصــة. إذ يتشــكل البرنامــج الحكومــي مــن أوراش وسياســات عموميــة تتماشــى مــع طموحــات بلادنا الداخليــة والتزاماتهــا الدوليــة، تســتلزم مســاهمة مختلـف الفاعليـن الاقتصاديين والاجتماعيين وتوفيـر إطــار ماكــرو اقتصــادي مســتقر ومحفــز، حتــى تحقــق الأهداف التنمويــة المتوخــاة منهــا.
ووعيـا منهـا بأهمية هـذه المقاربة، اجتهـدت الحكومة لتحسـين فعاليـة الماليـة العموميـة لبلادنا، مـن خـلال الحفـاظ علـى النفقـات العمومية في مسـتويات جيدة، وتعبئــة هوامــش ماليــة إضافيــة، فضــلا عــن تحقيــق تــوازن مريــح فيمــا يتعلــق بعائــدات العملــة الصعبــة، والحفـاظ علـى نسـب النمـو فـي مسـتويات جيـدة، مـع كســب ثقــة المؤسســات الاقتصادية الدوليــة، رغــم صعوبـة الظرفيـة الراهنـة.
إن النصــف الأول مــن الولايــة الحكوميــة تميــز ببــزوغ إكراهــات دوليــة وداخليــة حــادة، حيــث عــرف المحيــط الدولــي توتــرات جيو-إســتراتيجية ناجمــة عــن الحــرب الروســية-الأوكرانية، أدت إلــى ارتفــاع مهــول لأســعار النفــط والمــواد الأولية، نتــج عنــه تســجيل مســتويات قياســية للتضخــم وتباطــؤ غيــر مســبوق فــي حجــم المبادلات التجاريـة والنمـو الاقتصادي العالمـي. فقـد بلــغ معــدل التضخــم مــا يعــادل 7,8% علــى الصعيــد العالمـي خـلال سـنة 2022 قبـل أن يتراجـع نسـبيا إلـى 5,7% في سـنة 2023.
بالموازاة لذلك، انخفضت نسبة النمــو الاقتصادي العالمــي مــن 3,5% ســنة 2022 إلــى 3,1% ســنويا بالمتوســط خــلال الفتــرة 2026-2024 ولــم يكــن المغــرب بمنــأى عــن التأثيــرات الســلبية لمحيطــه الدولــي، والتــي تعمقــت بســبب موجــة حــادة مـن الجفاف خلال السـنوات الثلاث الأولى مـن العمل الحكومـي، بالإضافة إلـى تعـرض منطقـة الحـوز صيـف الســنة الفارطــة لزلــزال يعــد الأعنف فــي تاريــخ بلادنا المعاصــر.
ورغــم كل هــذه الظــروف، التزمــت الحكومــة بتنفيــذ برامجهــا الاستثمارية والاجتماعية عبــر سياســة ميزانياتيـة إراديـة، حيـث رفعـت مـن مسـتوى النفقـات الإجمالية الجاريــة العموميــة إلــى 27,6% مــن الناتــج الداخلــي الخــام ســنتي 2022 و2023 مقابــل 24% ســنة 2021. كمــا اعتمــدت العديــد مــن الإجراءات الضريبيــة والميزاناتيــة بهــدف الحفــاظ علــى القــدرة الشــرائية للمواطنيــن والقــدرة التنافســية للاقتصاد الوطنــي، لاسيما مــن خــال الرفــع مــن مخصصــات المقاصــة.
وتمكــن الاقتصاد الوطنــي مــن الحفــاظ علــى توازناتــه الماليــة، الداخليــة والخارجيــة، وتحقيــق مردوديــة اقتصاديــة تبقــى إيجابيــة بالمقارنــة مــع المســتوى العالمــي. حيــث أن القطــاع غيــر الفلاحــي اســتطاع أن يحافــظ علــى وتيــرة نمــوه فــي 3% كمتوســط ســنوي، وذلك راجع بالأساس إلى تحسن نمو قطاع الخدمات بمعــدل 5% و4,4% علــى التوالــي ســنتي 2022 و2023 وانتقـل النمـو الاقتصادي الوطنـي إجمالا، رغـم توالـي سـنوات الجفـاف، مـن 1,3% سـنة 2022 إلى 3,2% سـنة 2023 ومــن المتوقــع أن يصــل، حســب الإسقاطات الماكــرو اقتصاديــة، إلــى 3,8% ســنويا فــي المتوســط خــلال الفتــرة 2026-2024.
كما بلغ معدل التضخم 6,6% خلال سنة 2022 ليتراجع إلـى 6,1% خـلال سـنة 2023 ومـن المرتقـب أن ينخفـض إلى أقـل من 3% خلال سـنة 2024، إذ أخذ منحـى تنازليا منـذ الفصـل الثانـي مـن سـنة 2023 لينتقـل مـن 10,1% فـي شـهر فبرايـر، إلـى 8,2% فـي شـهر مـارس، و 4,9% فـي شـهر يوليـوز، و%4,3 فـي شـهر أكتوبـر، و4,3% فـي شـهر دجنبـر 2023. ليصـل فـي فبرايـر 2024 إلـى 0,3% .
وحسـب توقعات بنـك المغرب، من المرتقـب أن يناهز معـدل التضخم 2,2% سـنة 2024 وبفضــل الرؤيــة الاســتراتيجية والإدارة الرشــيدة التــي انتهجتهــا المملكــة لمواجهــة الأزمة وإنعــاش الاقتصاد، واصلــت بلادنا سياســتها الراميــة إلــى الإصـلاح التدريجــي للنظــام الضريبــي، ممــا مكــن مــن تحسـين الإيرادات الضريبيـة وغيـر الضريبيـة وتوطيـد المداخيل الجارية، حيـث مثلت ما يناهز 23% من الناتج الداخلـي سـنة 2023 عـوض 20% سـنة 2021.
وفـي ظل هــذا التطــور، انخفــض عجــز الميزانيــة إلــى 4,4% مــن الناتـج الداخلـي الإجمالي مـع نهايـة عـام 2023 مقابـل 5,4% سـنة 2022 و5,5% سـنة 2021. ولا تزال الحكومة ملتزمــة بتحقيــق هــدف 4% فــي عجــز الميزانيــة ســنة 2024 والعــودة إلــى مســتوى 3% بحلــول ســنة 2026. وتبعــا للتطــور الإيجابي لصــادرات المهــن الجديــدة للمغــرب، وكــذا تحقيــق مســتويات غيــر مســبوقة لتحويــلات المغاربــة المقيميــن بالخــارج ومداخيــل الســياحة، تــم احتــواء العجــز الجــاري لميــزان الأداءات الــذي انتقــل مــن 2,3% مــن الناتــج الداخلــي الإجمالي خـلال سـنة 2021 إلـى 3,5% فـي سـنة 2022، وإلـى 0,6 % ســنة 2023 بعدمــا ناهــز 3,8% فــي المتوســط خـلال فتــرة 2016-2019.
وفـي هـذا الإطار، تميـزت سـنة 2023 بخـروج المغـرب مــن اللائحة الرماديــة لمجموعــة العمــل GAFI، وكــذا اللائحة المماثلــة لاتحــاد الأوروبي، وهــو دليــل علــى مصداقيـة الإصلاحات الكبـرى والأوراش المهمة التي تقــوم بهــا بلادنا فــي مختلــف المجالات، وســيمكن هــذا التطــور مــن تعزيــز الثقــة فــي الاقتصاد الوطنــي وتحسـين منـاخ الأعمال فـي بلادنا، ممـا سـيتيح جلـب المزيد من الاستثمارات الخارجية وتسهيل العمليات الماليـة وتدفـق رؤوس الأموال، وسيسـاهم لا محالـة فــي تكريــس الاستقرار الماكرو-اقتصــادي لبلادنا.