اعتمـادا علـى معطيـات سـوق الشـغل المسـتقاة مـن نتائــج البحــث الوطنــي حــول التشــغيل الــذي تصــدره المندوبيــة الســامية للتخطيــط، عرفــت وضعيــة ســوق الشــغل، خــلال ســنتي 2022 و2023، تحســنا نســبيا بالوسـط الحضري، بينمـا لازالت تعاني من آثار سـنوات الجفــاف المتتاليــة علــى الوســط القــروي والــذي عــرف فقدان العديد من مناصب الشغل، حيث فقد الاقتصاد الوطنـي 198.000 منصـب بالوسـط القـروي سـنة 2023 و174.000 منصــب ســنة 2022.
وفي هذا السياق ورغم الظرفية الاقتصادية الصعبة، أحــدث الاقتصاد الوطنــي خــلال الفتــرة 2022-2023، 233.100 منصــب شــغل فــي قطاعــات الصناعــة والخدمــات والبنــاء والأشغال العموميــة، مــا يمثــل متوســطا ســنويا يقــدر بـ 116.550 منصب شــغل إذا اســتثنينا القطــاع الفلاحي. حيــث أن القطــاع الفلاحــي الذي تأثر بتوالي سـنوات الجفاف سجل فقدان ما يناهز202.000 منصب صافي للشـغل سـنة 2023 و215.000 منصــب ســنة 2022.
ويــدل تحليــل هــذه الأرقام علــى التطــور الإيجابي الــذي يعرفـه سـوق الشـغل ببلادنا من خـلال هيمنة الشـغل اللائق كنتيجـة للبرامج والسياسـات المتبعـة، خصوصا تلـك الراميـة إلى توسـيع الحمايـة الاجتماعية، وإنعاش التشــغيل، وإنعــاش الاستثمار، ومواكبــة وتنميــة المقاولــة، وتنميــة القطــاع الخــاص المنظـم.
وقد عرف سوق الشغل خلال النصف الأول من الولاية الحكومية:
• تحسـنا فـي جـودة التشـغيل، حيـث أن غالبيـة مناصـب الشــغل المفقــودة تبقــى مناصــب شــغل غيــر مــؤدى عنهـا، فـي حيـن يتـم تسـجيل ارتفـاع مناصـب الشـغل المـؤدى عنهـا المحدثـة، خصوصـا الشـغل المسـتأجر، وقــد عرفــت نســبة الشــغل غيــر المــؤدى عنــه تراجعــا من 14,2% سنة 2021 إلى 12,8% سنة 2022 و11% سنة2023، يعـزى أساسـا لانخفاض الشـغل غيـر المـؤدى عنـه فـي الوسـط القـروي.
• تنامـي العمـل المسـتأجر، حيـث تـم إحـداث حوالـي 300 ألـف منصـب خـلال سـنتي 2021 و2022، وعرفـت سـنة 2023 نفــس المنحــى التصاعــدي حيــث تــم تســجيل إحــداث عــدد قياســي لمناصــب الشــغل المســتأجر بحوالـي 586 ألـف أجير خلال سـنة 2023 مقابـل 71 ألف منصــب صافٍ ســنة 2022.
ويمكن ملامسة هذا التطور النوعي لسوق الشغل من خـلال معطيـات الصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي الخاصـة بتصريحـات بالأجراء، حيـث عرفـت سـنة 2023 تغيــرا صافيــا فــي عــدد الأجراء بحوالــي 300.000 أجيــر مقابـل 313.000 أجير سـنة 2022 و 175.000 سـنة 2021.
كمــا عملــت الحكومــة علــى تســريع التحــول الهيكلــي للاقتصاد الوطنـي بالتركيـز علـى القطاعـات الاقتصادية الداعمة للنمو والتشـغيل كالقطـاع الصناعي من خلال دعــم علامة “صنــع بالمغــرب” فــي العديــد مــن الفــروع الصناعيــة، والقطــاع الســياحي فــي إطــار المخطــط الاســتعجالي الــذي وضعتــه الحكومــة بقيمــة 2 مليــار درهــم وقطــاع الإسكان الــذي يعتبــر رافعــة لتحفيــز التشـغيل، خاصـة مـن خـلال برنامـج دعـم السـكن الـذي أطلقتـه الحكومـة سـنة 2023، إضافـة إلى انخـراط بلادنا فــي مجموعــة مــن المشــاريع ذات البعــد الاستراتيجي والتـي تشـكل فرصـا اسـتثمارية سـانحة لمجموعـة مـن القطاعــات، علــى رأســها قطــاع البنــاء.
بالإضافة إلــى ذلــك، واصلــت الحكومــة تنفيــذ البرامــج النشـيطة لإنعاش الشـغل بهـدف دعـم الباحثيـن عـن العمــل والحامليــن للمشــاريع وتيســير إدماجهــم فــي ســوق الشــغل، ناهيــك عــن المبــادرات الجديــدة التــي أطلقتهـا مـن أجل دمج اليـد العاملة النشـيطة، ونخص بالذكــر برنامــج “أوراش” وبرنامــج “فرصــة”.
ووعيا بأهمية البعد الجهوي للتشغيل، قامت الحكومة بوضع برامج جهوية مكملة للتدابير الوطنية للتشـغيل ممولــة مــن لــدن الجهــات، تتمحــور حــول مجموعــة مــن الإجراءات تهــم تحســين قابليــة تشــغيل غيــر حاملــي الشـهادات والتشـغيل الذاتي عبر الدعم المالي لإحداث المقاولات لفائــدة حاملــي المشــاريع ودعــم انطلاق التعاونيات. وفي هذا الإطار، تم إطلاق مبادرات بجهات مراكـش آسـفي وسـوس ماسـة والأقاليم الجنوبيـة.
ومـن جهـة أخـرى، عملـت الحكومـة علـى تحقيـق اندمـاج أمثــل بيــن حاجيــات المقاولات مــن مناصــب الشــغل ومنظومــة التربيــة والتكويــن، مــن خــلال تحفيــز الاختيار الإرادي لميادين التعليم والتكوين والبحث العلمي قصد توجيهــه نحــو أولويــات الاقتصاد الوطنــي، مــع الحــرص علــى تعزيــز المســالك بيــن عالــم المقاولات والتعليــم عبــر التكويــن المهنــي والمســتمر، قصــد تيســير إدمــاج الشـباب فـي سـوق الشـغل وتلبيـة حاجيـات المقاولات مـن الكفـاءات.
كمــا أن الحكومــة، فــي إطــار الحــوار الاجتماعي، وقعــت مـع الاتحاد العـام لمقاولات المغـرب والنقابـات الأكثر تمثيليــة، فــي نهايــة أبريــل 2022، علــى اتفــاق اجتماعــي يتضمـن تدابير رئيسـية تهـم تشـجيع التشـغيل وتقوية الحــوار الاجتماعي.
ولابد من الإشارة إلى أن ما ميز كل التدخلات الحكوميــة لإنعاش التشــغيل وتوفيــر فــرص العمــل اللائق، هــو اســتحضارها للضمانــات الكفيلــة بتوفيــر الحمايــة الاجتماعية لفائــدة العمــال والأجراء بمــا يمكـن مـن انخراطهـم فـي الصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي، وإمكانيــة اســتفادتهم مــن التعويضــات العائليــة والتقاعــد.
واستكمالا لهذا المسار المتميز الضامن للعمل اللائق، تراهن الحكومة، في النصف الثاني من الولاية الحكومية، على إعادة النظر في مجموعة من التشريعات والقوانين الاجتماعية المرتبطـة أساسـا بقانـون الشـغل وقانـون الإضراب، بما يكرس الاستقرار والسلم الاجتماعي داخل المقاولة، مع التأكيد على مأسسة آليات حماية العمال والأجراء للانتقال الســلس إلــى الاقتصاد المهيــكل وسوق الشغل المنظم.
البرامج النشيطة للتشغيل.. “إدماج” و “تأهيل” و “تحفیز”
عملت الحكومة على الرفع من وتيرة البرامج النشيطة للتشـغيل خلال سـنتين ونصـف مـن الولايـة الحكوميـة الحالية، وعلـی الخصوص “إدماج” و “تأهيل” و “تحفیز”.
ويســعى برنامــج “إدمــاج” إلــى تنميــة المــوارد البشــرية للمقاولة وتحسـين تأطيرها، من خـلال توظيف وإدماج الشــباب حاملــي الشــهادات، إضافــة إلــى مضاعفــة تحسـين قابليـة تشـغيل طالبـي العمـل لأول مـرة، عبـر اكتساب مؤهلات مهنية جديدة، واكتساب تجربة أولية بالمقاولة تسـاعدهم على الاندماج في الحياة العملية.
في حين يهـدف برنامـج “تحفيز” إلى إنعاش التشـغيل بالمقاولات والجمعيات والتعاونيات حديثة التأسيس.
مـن جهـة ثانية تتطلع برامـج قابليـة التشـغيل لتمكين طالبــي العمــل مــن اكتســاب المؤهــلات والقــدرات المطلوبـة لشـغل بعـض المناصـب المحددة، وتيسـير إدمــاج حاملــي الشــهادات الذيــن يلاقــون صعوبــات للاندماج في الحياة العملية، عبر تمكينهم من اكتساب المؤهـلات المهنيـة المطلوبـة وملاءمتهـا مـع حاجيـات ســوق الشــغل، والعمــل علــى إنجــاح عمليــة توظيــف المــوارد البشــرية مــن خــلال تطويــر مؤهلاتهــا.
وقــد ســجلت هــذه البرامــج نتائــج مهمــة فــي الفتــرة الممتــدة مــن أكتوبــر 2021 إلــى متــم ســنة 2023، حيــث اســتفاد 256.408 باحثــا عــن الشــغل مــن برنامــج “إدمــاج” و 42.070 شــخصا مــن برنامــج “تحفيـــز”، وما يقـارب 284.638 شـخصا مـن تكوينـات تحسـين قابليـة التشــغيل، منهـم:
• 45.809 باحثا عن الشغل استفاد من برنامج “تأهيـل” بمكوناته الثالث التكوين التعاقدي، التكوين التحويلي والتكوين في القطاعات الواعدة.
• 211.870 شخصا اسـتفاد من التكوين عن بعد.
• 16.397 شخصا استفاد من التكوين في مجال التعليم الأولي.
• 5.851 شخصا استفاد من التكوين في إطار الشراكات الوطنية و4.711 شخصا في إطار الشراكات الجهوية.
برنامج “أوراش”.. تشغيل في خدمة التكوين المهني
وبهــدف تمكيــن فئــة واســعة مــن المواطنيــن والمواطنات من ولوج سـوق الشـغل، بـادرت الحكومة إلى إطلاق برنامـج “أوراش” عبر خلـق 250.000 منصب شـغل خـلال الفتـرة الممتـدة مـن 2022 إلـى متـم 2023، فـي إطار أوراش عامـة صغرى وكبـرى مؤقتة، وأوراش لدعـم الإدماج المسـتدام، حيث رصـدت الحكومـة لذلك غلافا ماليـا يقـدر بــ 4.5 مليـار درهـم.
ويتضمـن برنامج “أوراش”، الذي يعتبـر من بين البرامج المبتكــرة، والهادفــة إلــى تحســين قابليــة التشــغيل وتعزيـز حظـوظ الإدماج المهنـي علـى الصعيـد الترابـي، أخــذا بعيــن الاعتبار مختلــف الفئــات العمريــة دون اشــتراط مؤهــلات، مكونيــن أساســيين:
أوراش عامــة مؤقتــة، تســتهدف الأشخاص الذيــن يجــدون صعوبــة فــي الإدماج فــي ســوق الشــغل، والأشخاص الذيــن فقــدوا عملهــم بســبب الجائحــة الصحيــة المرتبطــة بكوفيــد ـ 19 أو لأســباب أخــرى.
أوراش لدعم الإدماج المستدام، تستهدف الأشخاص غير الحاملين للشواهد، الذين يتم تشغيلهم من طرف المقاولات والتعاونيات والجمعيات.
وقد بلغ العدد الإجمالي للمستفيدين من البرنامج، في نسـختيه الأولى والثانيـة، 221.486 مسـتفيدا إلـى حـدود متــم ســنة 2023 مــن أصــل 250.000 كهـدف مســطر، بنســبة إنجــاز تفــوق 88% تشــمل 30% مــن النســاء المســتفيدات.
وتمكــن المســتفيدون مــن البرنامــج فــي شــقيه، مــن الحصــول علــى دخــل شــهري لا يقــل عــن الحــد الأدنى للأجر خـال مدة الـورش (3111,39 درهم) وفـق القوانين والأنظمة الجــاري بهـا العمــل.
وانسـجاما مع ضرورة تعزيز التوطين الترابي للنهوض بالتشغيل، تم تنزيل هذا البرنامج في إطار تعاقدي مع الفاعليـن الجهوييـن والإقليميين، مع ضمـان الانخراط الفعلي لمختلف المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية والجماعـات الترابيـة والجمعيـات والتعاونيـات لتحقيـق الأهداف المتوخاة.