عرفت وضعية المرأة في المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس، ثورة هادئة، في سياق دينامية مجتمعية وتنموية، مستلهمة من الإرادة الملكية السامية في أن تتبوأ النساء المغربيات المكانة التي تستحقها من أجل بناء مغرب قوي ومتطور.
وأبرز رئيس الحكومة عزيز أخنوش، متحدثا خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول موضوع “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”، الاثنين 17 يوليو 2023، أن بلادنا راكمت منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده العرش، مكتسبات مهمة فيما يتعلق بقضايا المرأة، كما شكل الاهتمام بحقوقها أولوية وطنية في اتجاه تحصينها من كل أشكال التمييز والاستغلال، وهو توجه أكدته مختلف الخطب الملكية السامية والتوجيهات السديدة لجلالته بهدف بلورة سياسات عمومية وبرامج وطنية لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، مع إيلاء أهمية قصوى للنساء في وضعية هشاشة خاصة بالعالم القروي.
وأفاد أخنوش، أن هذا الحرص الملكي تميز بتبني مدونة الأسرة سنة 2004، والتي تبرز النبوغ المغربي في البحث عن حلول متوازنة ومنصفة وعملية، في إطار مؤسسة إمارة المؤمنين، وتنم عن الاجتهاد المستنير المنفتح، وتنص على تكريس حقوق الإنسان والمواطنة للمغاربة نساء ورجالا على حد سواء. وعلى ضوء هذه المكتسبات جاء الخطاب الملكي سنة 2005 ليعلن عن إقرار حق المرأة المتزوجة من أجنبي في منح الجنسية المغربية لأبنائها، وهو مكتسب مهم طالما طالبت به الجمعيات النسائية وفعاليات المجتمع المدني ببلادنا.
وأورد المتحدث، أن هذه المكتسبات استمرت بصدور دستور المملكة لسنة 2011 الذي كرَّس المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في مختلف المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي ذات السياق، أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 2014 تعليماته إلى السلطات الوصية على الأراضي السلالية، للقطع مع القوانين السابقة، وتمكين المرأة من حقها الشرعي في الإرث على غرار الرجل، وذلك تجاوبا من جلالته مع مطالب النساء السلاليات. كما تم بداية من سنة 2018 فتح المجال أمام النساء لممارسة مهنة العدول.
ونوّه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بالجهود التي تبذلها بلادنا للوفاء بالتزاماتها الدولية لتدعيم حقوق المرأة ومحاربة جميع أشكال التمييز، ولمواصلة الانخراط المسؤول في المنظومة الدولية لحقوق المرأة.
وأفاد أخنوش متحدثا خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول موضوع “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”، أن المغرب انخرطت بكل مسؤولية وجدية في الأجندة الأممية “النساء، السلم، الأمن” في إطار النهوض بوضعية المرأة في أوقات السلم والنزاعات المسلحة وتدبير الأزمات الإنسانية، حيث أطلقت مخطط العمل الوطني للمملكة حول النساء والسلم والأمن في مارس 2022، تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 1325، وأكدت بلادنا بالمناسبة على اعتبار النساء “عوامل تغيير وشريكات متساويات في مسلسل صنع القرار”.
“وفي إطار حرص بلادنا على مواصلة الانخراط في المنظومة الأممية لحماية حقوق المرأة، تم بتاريخ 22 أبريل 2022 إيداع وثائق الانضمام إلى البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وباتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المتعلقين بالبلاغات الفردية والذين دخلا حيز التنفيذ في يوليوز 2022” يورد رئيس الحكومة.
وذكَّر أخنوش بأن هذه المنجزات الفارقة التي حققتها بلادنا لصالح المرأة المغربية حظيت خلال سنة 2022 بإشادة من طرف لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حيث سجلت بشكل إيجابي مظاهر التقدم المُحرزة من طرف المغرب في مجال حقوق المرأة، لاسيما إعماله لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. إضافة إلى ترحيبها باعتماد منظومة تشريعات ساهمت في امتثال المملكة والتزامها بمقتضيات اتفاقية “سيداو”، مبرزا أن التطور الملحوظ الذي شهدته وضعية المرأة المغربية يبعث على الاعتزاز بما تم تحقيقه من منجزات طموحة، وأود بهذه المناسبة أن أحيي المرأة المغربية التي وصلت إلى مكانة مشرفة بفضل جهودها وكفاحها وطموحها.
وأكد المتحدث أن ما تحقق لصالح المرأة، يخلق لدى الحكومة وعيا راسخا بضرورة دعم هذه الجهود، والحكومة تعمل جادة على خلق الظروف ووضع الاستراتيجيات وتبني السياسات العمومية التي تسير في اتجاه التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة وضمان مشاركتها الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
التمكين الاقتصادي للمرأة
شكَّلت الحمولة الحقوقية الكبرى التي جاء بها دستور 2011، والمقتضيات المتقدمة التي تضمنها في هذا المجال، عزَّزت الإرادة الراسخة لترصيد المكتسبات التي تحققت لصالح المرأة المغربية، وشجعت مختلف الفاعلين على فتح آفاق جديدة وأوراش مهمة تستهدف العناية بقضايا المرأة والارتقاء بها وفق مقاربة شمولية تضمن مشاركتها في وضع التصورات والمخططات واتخاذ القرارات والسَّهر على حسن تنفيذها وتنزيلها، وهو توجُّه عبَّرت عنه مقتضيات التقرير العام للنموذج التنموي الجديد الذي أكد على أن المساواة بين الجنسين ومشاركة المرأة في المجتمع هما اليوم مؤشران هامان للتنمية.
وأكد أخنوش، أن الحكومة منذ تنصيبها لم تجعل من موضوع المرأة قضية ترف فكري ولا ورقة سياسية عابرة، بل جعلت منه قضية في صلب اهتماماتها، وهو ما يعكس الإرادة السياسية للأغلبية الحكومية للنهوض بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة تثمينا لما حصَّلته من مكتسبات حقوقية بفضل الإرادة الملكية السامية.
“وبنَفَس إصلاحي كبير نواصل، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تدعيم الحقوق الأساسية للمرأة في المؤسسات وتمكينها من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر تبنّي سياسات عمومية لمختلف القطاعات الوزارية المعنية، من خلال عدد من الاستراتيجيات والسياسات العمومية التي يجري تفعيلها” يقول أخنوش.
وأورد المتحدث أن الحكومة بادرَت في بداية ولايتها إلى إصدار المرسوم المتعلق بإحداث “اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة”، والذي يشكل إطارا أساسيا يضمن الانسجام والالتقائية بين مختلف المبادرات والمتدخلين، ومن بينهم المجتمع المدني والجماعات الترابية، وفضاء أساسيا للاقتراح وتقديم إجابات على مجموعة من الإشكالات المرتبطة بحماية حقوق المرأة والنهوض بها.
وتابع: “أمام هذا الحرص الحكومي لتحسين وضعية المرأة، عقدنا الاجتماع الأول لهذه اللجنة بهدف اعتماد الإطار الاستراتيجي للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 والتي تشمل برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة، الذي يتضمن إجراءات وتدابير تروم الرفع من معدل نشاط المرأة في أفق 2026”.
وأوضح رئيس الحكومة أن اعتماد هذا الإطار الاستراتيجي الذي تمت بلورته وفق منظور شمولي تم بمشاركة كل القطاعات الحكومية، واعتمد توصيات منظمات المجتمع المدني والفاعلين ذوي الصلة بموضوع المرأة، ويتضمن ثلاث محاور أساسية، وهي: “التمكين والريادة للمرأة الذي حدد إجراءات عملية للرفع من نسبة نشاطها في أفق سنة 2026″، و”الوقاية والحماية للنساء ومحاربة العنف ضدهن”، و”تعزيز القيم لمحاربة الصور النمطية والنهوض بحقوق النساء ومحاربة كل أشكال التمييز”.
وأفصح عزيز أخنوش، عن طلبهم من كافة القطاعات الوزارية المعنية، إجراء المشاورات الأخيرة لإدراج تدابير البرنامج الأول حول “التمكين الاقتصادي والريادة” الخاصة بكل قطاع، ضمن برمجتها الميزانياتية لسنة 2024، والانخراط القوي في مسار وضع الخطة الحكومية الثالثة للمساواة، والالتزام بتنفيذ إجراءاتها مع تحديد مؤشرات نجاعة تنفيذها، معتبرا أن التمكين الاقتصادي للنساء يشكل أهم المداخل الأساسية لإرساء مبدأ المساواة بين الجنسين، حيث يعتبر تحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للمرأة أولوية حكومية خلال هذه الولاية.
وأبرز المسؤول الحكومي، أنه على الرغم من المكتسبات الحقوقية للمرأة المغربية خلال العشرين سنة الأخيرة، لم تتمكن بلادنا للأسف من تحسين المؤشرات المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للمرأة، فمؤشر الفوارق المبنية على النوع GENDER GAP INDEX يضع بلادنا في المرتبة 144على الصعيد العالمي من أصل 156 دولة، بمعدل لا يتجاوز 0.612 أي أقل من المعدل الإفريقي المقدر ب 0.672.
وسجلت بلادنا تراجع نسبة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي من 23.4% خلال سنة 2010 إلى أقل من 20% سنة 2021، وهو ما يضيع على بلادنا نقطة واحدة من الناتج الداخلي الخام (حوالي 13 مليار درهم سنويا). يقول أخنوش خلال كلمته بجلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول موضوع “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”.
وأوضح أخنوش أنه من المفترض أن تبلغ نسبة نشاط المرأة ببلادنا 36%، خاصة مع التقدم المهم الذي عرفته نسب تعميم التمدرس الخاصة بالفتيات، وتراجع نسبة الأمية في صفوف النساء من 60% سنة 2004 إلى أقل من 46% نهاية سنة 2019، في حين تشير المعطيات إلى أن ستة (6) من كل عشر نساء يصلن للتعليم الابتدائي، واثنتان من كل عشر نساء يلجن لسوق الشغل، في حين تحصل امرأة واحدة فقط من كل عشر نساء عن أجر مقابل عملها.
وأمام هذه الوضعية، واقتناعا منا بأن التمكين الاقتصادي للمرأة رافعة أساسية لتحقيق التنمية المنشودة، وفق المتحدث، أطلقت الحكومة عددا من الخطط والبرامج، من بينها ” برنامج التمكين والريادة للمرأة” في إطار الخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026، الذي حدد إجراءات عملية للرفع من نسبة نشاطها في أفق سنة 2026، والتي ستتم برمجتها الميزانياتية برسم سنة 2024.
كما أطلقت الحكومة، بفضل المجهود المتميز لوزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، برنامج “جسر” للتمكين والريادة، والذي يشكل لبنة أساسية ضمن استراتيجية “جسر” الهادفة إلى تسهيل ولوج المرأة إلى سوق الشغل وتطوير قدراتها المقاولاتية وتعزيز مهاراتها في خلق المقاولة، وذلك في إطار تنزيل البرنامج الحكومي 2021 _ 2026، مما سيساهم في بناء” الدولة الاجتماعية”، وتحقيق “مغرب التقدم والكرامة”، ويعزز المساهمة والرفع من نسبة نشاط المرأة.
ويستهدف هذا البرنامج تكوين ومواكبة أزيد من 36.000 امرأة على الصعيد الوطني، وتحسين خبراتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة، وتقوية فرص عملهم وتسهيل وصولهم إلى السوق والتمويل، وذلك بتكلفة إجمالية تقدر ب 322 مليون درهم. بقول رئيس الحكومة متابع أنه وإلى حدود شهر يونيو المنصرم، تم استقبال أزيد من 38.000 طلب، بعد إطلاق الحكومة بتنسيق مع مختلف الشركاء المنصات الرقمية الخاصة بجهات الدار البيضاء سطات، وفاس مكناس، وكلميم واد نون، والشرق، وطنجة تطوان الحسيمة، وسوس ماسة، وبني ملال خنيفرة، ودرعة تافيلالت، والداخلة وادي الذهب.
وأفاد المتحدث، أن بلوغ أهدافنا لا يقتصر على توفير مزيد من فرص العمل للنساء، بل سنعمل خصوصا على تطوير الظروف المواكبة الكفيلة بتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال إرساء مجموعة من الرافعات الأساسية من بينها تعميم الحضانات ورياض الأطفال، وتطوير الولوج إلى وسائل نقل آمنة وغير مكلفة، تحسين ظروف الاشتغال داخل مقرات العمل، فضلا عن تطوير الإدماج المالي عبر إرساء الرقمنة ومساهمة الجماعات في تمويل المشاريع وغيرها من الإجراءات الكفيلة بالرفع من مساهمة المرأة في سوق الشغل.
ومن جهة أخرى عملت الحكومة على تشجيع النساء في مجال الاستثمار من خلال المنح المشتركة، التي ينص عليها “ميثاق الاستثمار الجديد”، التي ترتكز على مقاربة النوع، من خلال تقديم منحة إضافية تحفيزية إذا كانت نسبة النوع حاضرة في بنية التشغيل الخاصة بالمشروع، وذلك بهدف تعزيز اندماج المرأة بشكل أكبر.
وأبرز المتحدث أنه وفي إطار الانشغال الحكومي بتشجيع الإدماج الاقتصادي للنساء ببرامج مبتكرة ومحفِّزة والتي تتميز ببُعد ترابي يشمل كافة مناطق المملكة، تم إطلاق برنامج “فرصة” لمواكبة وتمويل حاملي المشاريع بما فيهم النساء، وهو ما ساهم في تعزيز المبادرة الفردية، حيث بلغ عدد المستفيدات من هذا البرنامج 20 % من إجمالي المستفيدين سنة 2022، في أفق الرفع من هذه النسبة خلال نسخة 2023.
وفي سياق الرؤية الحكومية لقضية التشغيل، أوضح عزيز أخنوش أن الحكومة عملت على تعزيز إدماج النساء في سوق الشغل من خلال برنامج “أوراش”، لمواكبة المقصيين من سوق الشغل وتيسير إدماجهم الاقتصادي مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية. حيث حققنا نتائج جد إيجابية خلال سنة 2022 بعد استفادة أزيد من 103.599 شخص، 30 % منهم نساء، تنتمي غالبيتهن للوسط القروي.
ولمواصلة هذا المجهود الجماعي لمختلف الفاعلين مركزيا وترابيا، عبأت الحكومة 2.25 مليار درهم في قانون المالية، مما سيساهم في تعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء ضمن برنامج “أوراش” في مرحلته الثانية، وتعزيز حظوظهن في الإدماج المهني على الصعيد الترابي.
وتنضاف هذه البرامج للمجهود المهم المبذول لتكريس مقاربة النوع، ضمن مختلف الاستراتيجيات القطاعية، ولا سيما في القطاع الصناعي الذي تعتبر 43% من شغيلته نساء. وقد سمح مخطط التسريع الصناعي بتدارك الفوارق في القطاع، حيث تمكن من إدماج النساء في أزيد من 50% من المناصب المحدثة ما بين 2014 و2020.
كما يعمل مخطط الجيل الأخضر، يقول رئيس الحكومة، على الرفع من أعداد فرص الشغل النسائية في القطاع الفلاحي، لا سيما بعد فقدان عدد من المناصب خلال جائحة كوفيد-19. وتعمل الاستراتيجية خصوصا على تقوية حضور المرأة في قطاع المنتجات التضامنية من خلال تعزيز وجودها في البنيات الإنتاجية وعلى الخصوص، التعاونيات الفلاحية.
وتولي الحكومة أهمية بالغة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كدعامة ثالثة للتنمية إلى جانب القطاع الخاص والقطاع العام، حيث من المتوقع أن يساهم هذا القطاع مستقبلا بنسبة 8 % في الناتج الداخلي الوطني عوض 2 % حاليا، وفي خلق 50.000 منصب شغل جديد سنويا، والذي تشكل فيه التعاونيات المكون الرئيسي ضمن هذه الاستراتيجية الوطنية، وفق مقاربة شمولية تروم دعم النساء المقاولات وضمان الاستدامة الاقتصادية للتعاونيات النسائية المستفيدة عبر تكوين وتدريب المتعاونين على تقنيات التدبير والإدارة، إضافة إلى أولوية الورش الهيكلي والتنظيمي الهادف لرقمنة إجراءات التدبير الإداري للتعاونيات من أجل تبسيط المساطر وتحسين مواكبة القطاع.
واعتبر رئيس الحكومة أن ما تم تحقيقه في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة كان محط إشادة دولية واسعة، فقد حققت بلادنا المرتبة الثانية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط MENA بحصولها على 75.6 نقطة من أصل 100 حسب التقرير الصادر عن البنك الدولي المتعلق بالمرأة وأنشطة الأعمال والقانون سنة 2023، والذي يُعدّ مرجعا معتمدا في رصد الجهود التي تقوم بها الحكومات فيما يتعلق بوضعية القوانين والتشريعات الرامية إلى التمكين الاقتصادي للمرأة وحماية حقوقها، وهو اعتراف صريح بجدية الإجراءات والتدابير التي اعتمدتها الحكومة من خلال مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة إلى معالجة جملة من الاختلالات والصعوبات التي كانت تحد من مساهمة المرأة في سوق الشغل وتمكينها من المناصب الإدارية والقيادية.
ووعد رئيس الحكومة بأن هذه الأخيرة ستواصل، بكل عزيمة وإصرار، سعيها نحو التمكين الاقتصادي للمرأة الذي من شأنه ليس فقط الرفع من نسب النمو، بل كذلك القضاء على كل مظاهر التمييز والعمل على تحرير الطاقات النسائية التي تزخر بها بلادنا والتي تعتبر مدعاة فخر لجميع المغاربة.
هذه إجراءات الحكومة للتمكين الاجتماعي للنساء
وبالموازاة مع الحصيلة الحكومية المرحلية المشرفة للتمكين الاقتصادي للمرأة، كان مجال التمكين الاجتماعي للنساء حاضرا بقوة ضمن أجندة الحكومة، باعتباره مدخلا أساسيا لتعزيز مبادئ الدولة الاجتماعية المنشودة، وقد اتخذت الحكومة إجراءات عملية ومبادرات ملموسة لتمكين النساء الأرامل من حقوق أساسية.
واعتبر رئيس الحكومة في معرض حديثه خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول موضوع “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”، أن تعميم التغطية الصحية، والتعويضات العائلية مستقبلا، من أهم الآليات المساعدة على التحصين من تقلبات الحياة، خاصة داخل فئة النساء في وضعية هشاشة، التي تعتبر الأكثر حاجة لذلك. حيث تعمل الحكومة على التسريع بتنزيل هذا الورش تبعا للتعليمات الملكية السامية، القاضية بتسريع تفعيل المنظومة الجديدة للاستهداف التي اعتمدتها بلادنا بالنسبة لكل البرامج الاجتماعية.
وإلى غاية استكمال كل مكونات هذا الورش الملكي، يقول أخنوش، واصلنا برنامج دعم الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن، مع اتخاذ التدابير اللازمة لملائمة هذا البرنامج مع المقاربة الجديدة للاستهداف، حيث تم العمل على سن تدابير مؤقتة تتعلق بالاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشاشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، فضلا عن استفادة النساء الأرامل في وضعية هشاشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، المستفيدات من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، من الدعم المباشر دون مطالبتهن بشرط العتبة، وذلك إلى غاية تاريخ سريان مفعول التشريع السالف الذكر المتعلق بتعميم التعويضات العائلية.
بالإضافة إلى ذلك، عملت الحكومة على ضمان استمرار استفادة النساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى المستحقات، في تاريخ 30 نونبر 2022 للدعم، في الاستفادة من هذا الدعم لفترة انتقالية تمتد إلى غاية تاريخ سريان مفعول التشريع المتعلق بتعميم التعويضات العائلية.
وأبرز رئيس الحكومة، أن صحة الأم والطفل تحظى بعناية خاصة لدى الحكومة باعتبارها أولوية نهدف من خلالها إلى المساهمة في تحسين الولوج إلى العلاجات لفائدة الأم والطفل، وتغيير سلوك الساكنة من أجل الحد من الوفيات التي يمكن تجنبها، مع العمل على تقليص الفوارق الملحوظة في هذا المجال بين الوسطين الحضري والقروي، وفي هذا الإطار يأتي ورش تأهيل 1.400 مركز صحي للقرب، وتجهيزها بالوسائل والمعدات الحديثة والمتطورة، إضافة إلى مدها بالموارد البشرية اللازمة، والتي ستشكل الفضاء الأنسب للنساء للاستفادة من خدمات التخطيط العائلي وتتبع صحة الأم والطفل فضلا عن تلقيح الأبناء.
وأشار رئيس الحكومة، إلى أن بلادنا نجحت في تسجيل تراجع نسبة وفيات النساء الحوامل بحوالي 38 %، عبر تبني مجموعة من البرامج الصحية الموجهة بشكل خاص للنساء الحوامل، أبرزها البرنامج السنوي ” رعاية”.
ولفَت المتحدث إلى أن الهدر المدرسي خصوصا في صفوف الفتاة القروية ظاهرة معقدة ومركبة وممتدة عبر الزمن، نتيجة تراكم مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، حيث اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير للحد من هذه الظاهرة والمتضمنة في خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية، يأتي في مقدمتها تعميم التعليم الأولي، وتوسيع العرض المدرسي عبر الاهتمام بالمدارس الجماعاتية، وتقوية التعليم الإعدادي في العالم القروي، وتعزيز الدعم الاجتماعي المخصص للتلاميذ، فضلا عن توفير مراكز “الفرصة الثانية” للفتيات المنقطعات عن الدراسة لتمكينهن من الإدماج المدرسي أو المهني، وهو ما يساهم في الرفع من نسب تمدرس الفتاة بمختلف الأسلاك التعليمية، ومن تحسين مؤشر المساواة بين الجنسين، وكذا من تقليص الهدر المدرسي.
وأبرز عزيز أخنوش أن الإجراءات التي باشرتها الحكومة مكنت من إعادة 120.000 تلميذة وتلميذ إلى الفصول الدراسية بالأسلاك التعليمية الثلاثة، 42 % منهم إناث، خلال الموسم الدراسي 2021 \ 2022، وإدماج أكثر من 59.000 تلميذة وتلميذ، منهم 36 % إناث، في الوسط القروي، بفضل حملات التعبئة المجتمعية للإدماج المباشر، وإرجاع أكثر من 50 % من التلاميذ غير الملتحقين بالمدرسة.
من جهة أخرى لابد من الإشادة بالتّفوق الملحوظ للتلميذات في امتحانات البكالوريا، في تكريس واضح للمجهود التعليمي المتميز طيلة أطوار مسارهن الدراسين يقول أخنوش مُنوِّها بتميز فتيات مغربيات في مسابقة “الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات 2023″، الأمر الذي مكَّن تلميذتين مغربيتين، شهر ماي الماضي، من احتلال المرتبة الأولى والثانية في هذه المسابقة الدولية.
وبالموازاة مع ما تحقق لفائدة المرأة المغربية، أولت الحكومة عناية خاصة للارتقاء بالممارسة الرياضية النسوية وتوسيع دائرة انتشارها في ربوع المملكة، إيمانا بكونها من العناصر المهمة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التقدم الاجتماعي ونبذ جميع أشكال العنف المبني على النوع.
وأورد المتحدث أن فقد المرأة المغربية بصمت على حضور رياضي وازن في جميع المحافل والملتقيات الدولية الكبرى، ولم تكتف بالمشاركة العابرة فقط، بل احتلت مراكز متقدمة في الكثير من التظاهرات على المستوى القاري والدولي، مستحضرا المشاركة التاريخية للمنتخب الوطني للسيدات خلال النسخة الأخيرة من كأس أمم إفريقيا، التي نظمتها بلادنا، وذلك بالعبور إلى الدور النهائي والتأهل لكأس العالم لأول مرة في التاريخ، والتي ستجرى أطوارها، خلال الأيام المقبلة، بأستراليا ونيوزيلندا.
واستحضر أخنوش تأهل المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة للمونديال الذي نظم بالهند شهر أكتوبر الماضي، منوها كذلك بالأداء المشرف للمنتخب النسوي لكرة السلة خلال البطولة العربية التي أقيمت بمصر، حيث أكمل المنافسة وصيفا للبطولة. ولفت إلى أن استقبال صاحب الجلالة نصره الله وأيده لأعضاء الفريق الوطني المغربي، بعد الإنجاز التاريخي بقطر مرفوقين بأمهاتهم، سيبقى لحظة تاريخية راسخة في الذاكرة الوطنية وتكريما لهؤلاء المغربيات الحريصات على تلقين أبنائهن مبادئ الوطنية والتضحية والانتماء للوطن، وتعبيرا عن المكانة التي يوليها جلالته للمرأة المغربية باعتبارها دعامة للأسرة والمجتمع عموما .
تأسيس تمكين سياسي نسائي مستدام
التراكمات الإيجابية التي تحقّقت للنهوض بوضعية المرأة المغربية، كانت حافزا ورِهانا لتحقيق التمكين السياسي للمرأة. حيث شكل دستور 2011 منعطفا حاسما في مسار تكريس حقوق المرأة ومشاركتها المدنية والسياسية من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية التي تحفظ لها ذلك، سواء المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، أو بموجب نصوص قانونية منبثقة منها، وذلك في أفق تحقيق المناصفة كغاية دستورية تسعى الدولة ومختلف المؤسسات إلى بلوغها.
وأشار أخنوش، أن الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة عرفت تحولات مهمة فرضت مراجعة الإطار القانوني المنظم للانتخابات، بما يضمن عملية انخراط المرأة في المسلسل السياسي الذي تعرفه بلادنا، فكان ذلك مناسبة لتكريس التمييز الإيجابي للمرأة وتوسيع هوامش مشاركة النساء بمؤسسات التمثيلية، حيث شملت المستجدات ذات الصلة بالمشاركة النسائية توسيع مجال تمثيليتها إلى 90 مقعد مع إدماج البعد الترابي في توزيع المقاعد والتفاعل الإيجابي مع الديناميات المحلية التي تخلقها النساء.
وأفاد رئيس الحكومة إلى أن انتخابات 2021 أفرزت تطورا ملموسا في تمثيلية النساء بمجلس النواب، بحصولهن على 96 مقعدا، بدوره انخرط مجلس المستشارين في هذا المنحى بشكل محترم، حيث أسفرت النتائج عن فوز 14 مترشحة بمقاعد برلمانية من أصل 120 مقعدا بالمجلس، أي بنسبة 12 في المائة. كما تم انتخاب 3 نساء على رأس عموديات ثلاث مدن كبرى وهي الرباط والدار البيضاء ومراكش؛ فضلا عن انتخاب امرأة رئيسة لجهة كلميم وادنون، والتي تم انتخابها أيضا رئيسة لجمعية رؤساء مجالس جهات بالمملكة.
“ولم يكن أمام الأغلبية الحكومية إلا التجاوب الإيجابي والانخراط الفعلي في هذا المسار المحفز عند تشكيل الحكومة، والتي تضم في تركيبتها 6 وزيرات من أصل 28 منصب وزاري، بحقائباستراتيجية ومهمة، الشيء الذي يعكس الإرادة السياسية للأغلبية لتمكين النساء من مشاركة فعالة وحقيقية في ممارسة التدبير العمومي من مواقع ريادية داخل الجهاز التنفيذي” يقول رئيس الحكومة متوقفا عند الجدية والفعالية الكبيرة التي تميز عمل السيدات الوزيرات داخل الفريق الحكومي، مجددا لهن الشكر والتنويه.
وأفصح عزيز أخنوش أن الثقة في القدرات النسائية عند التمثيلية داخل الحكومة، إذ ساهمنا في حضورها القيادي داخل منظومة المناصب العليا ببلادنا، وهنا نذكر بأن تأنيث المناصب العليا بلغ ما مجموعه 619 منصب نسائي، أي بنسبة 19 % سنة 2022، مؤكدا أن الأغلبية والمعارضة وكل القوى الحية ببلادنا، مطالبون بالتفكير الجماعي والعقلاني، وبعيدا عن كل الحسابات السياسية الضيقة، بضرورة التأسيس لتمكين سياسي نسائي مستدام وفق مداخل متعددة تضمن التمثيلية النسائية داخل الهيئات والمؤسسات المنتخبة، مع العمل على إعادة توجيه التمويل العمومي المخصص لدعم تمثيلية النساء، عبر مراجعة مساطر تمويل البرامج الهادفة إلى تقوية القدرات التمثيلية للمرأة، والتقييم المستمر للمشاريع الممولة لضمان إسهامها في تعزيز ديناميات ترشيح النساء وتعزيز حظوظها للولوج للمؤسسات التمثيلية.
حماية النساء من كل أشكال التمييز وإقرار المساواة
عملت الحكومة على تعزيز مقاربة النوع في الإدارة العمومية، عبر خطط العمل المتعلقة باستراتيجية “مأسسة المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية”، وذلك بهدف تعزيز قابلية التوظيف والتمكين الاقتصادي للنساء، وتحسين تمثيليتها على مستوى هيئات اتخاذ القرار بمختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية.
وللتسريع من وتيرة تفعيل الخطة الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز قدرات المرأة ودعم قيادتها، تم التركيز على مجموعة من الإجراءات، يقول أخنوش، أهمها تعزيز القدرات القيادية لممثلات شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات ونقط ارتكاز النوع الاجتماعي ووكلاء الإدارة فيما يخص مأسسة المساواة في الوظيفة العمومية على الصعيدين المركزي والترابي، ودعم ومواكبة آليات مأسسة المساواة في الوظيفة العمومية، فضلا عن التواصل والتوعية وتعميم أدوات التسيير على المستوى المركزي والترابي.
وفي إطار تنفيذ مضامين استراتيجية مأسسة مقاربة النوع بالوظيفة العمومية، وبغية تعزيز تواجد المرأة في مختلف مناصب المسؤولية، عملت الحكومة على اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها تمكين المرأة من التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة، وكذا تعزيز الترسانة القانونية بنصوص تهدف إلى تمكينها من العمل في ظروف أفضل تراعي خصوصيتها. مع مراعاة حقوق النساء الموظفات انسجاما مع مبدأ المسؤولية المشتركة الذي تقوم عليه الأسرة المغربية.
كما تم إقرار عدد من التدابير والإجراءات الرامية إلى تكريس الحقوق المرتبطة بالأمومة وترسيخ المساواة في رعاية الأطفال والتي تهم استفادة الموظف الرجل الذي ولد له طفل أو أسندت إليه كفالة من رخصة عن الأبوة، مدتها خمسة عشر( 15 ) يوما متصلة ومؤدى عنها، بالإضافة إلى استفادة الموظفة التي أسندت إليها كفالة طفل، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من رخصة عن الكفالة.
وقد سبق للحكومة أن اتفقت مع النقابات ومع أرباب العمل على تعديل مدونة الشغل، لحل عدد من الإشكالات من بينها دعم المساواة بين الجنسين في فضاء العمل، حيث تعمل الحكومة على فتح النقاش حول تعديل مدونة الشغل.
وتوجَّه رئيس الحكومة بالحديث للنواب والنائبات بالبرلمان المغربي، قائلا: “تدركون جميعا حجم الآثار والتداعيات الوخيمة التي يخلفها العنف ضد النساء والفتيات، بما ينعكس سلبا على الاستقرار الأسري والاجتماعي، دون إغفال التكلفة الاقتصادية والخسائر المالية التي تتحملها الدولة جراء هذه الممارسات. فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها بلادنا في مجال مناهضة العنف ضد المرأة فإن هذه الظاهرة ما تزال تعرف انتشارا واسعا سواء داخل الأسرة أو في الفضاء العام.حيث يبلغ انتشار العنف بين النساء من 18 إلى 64 سنة ما معدله 54%”.
وفي إطار سعيها لتعزيز حماية المرأة من كافة أشكال العنف الممارس ضدها، عملت الحكومة وفق عزيز أخنوش، على إدراج محاور التدخل لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في إطار استراتيجيتها: “جسر نحو تنمية اجتماعية دامجة ومبتكرة ومستدامة 2022 – 2026″، وذلك من خلال نهج جديد يهدف إلى بناء رؤية شمولية ومقاربة تشاركية مع كافة الفاعلين، بإدماج مقاربات جديدة منها تقوية الوقاية عبر الاستثمار في قنوات التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة، باعتبارها رافعة للتنمية الاجتماعية الدامجة والمستدامة، وكذا اعتماد الرقمنة لمواجهة الظاهرة وتسهيل الولوج للخدمات: عبر استثمار التكنولوجيات الحديثة في التوعية والتحسيس، والوقاية من العنف وتطوير حلول تكنولوجية لتسهيل التبليغ عن العنف والحماية منه والرفع من فعالية توجيه ومواكبة النساء والفتيات.
كما حرصت الحكومة، في إطار مقاربتها الشاملة، على مواكبة تفعيل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي يعتمد على المبادئ الأساسية المتبعة في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء، وهي: زجر مرتكبي العنف، والوقاية من العنف، وحماية ضحايا العنف، والتكفل بضحايا العنف. وهو القانون الذي مرت على دخوله حيز التنفيذ أزيد من خمس سنوات.
وأورد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أنه على الرغم من الأهمية التي تكتسيها المقاربة الزجرية في التصدي للعنف الذي يطال النساء، باعتبار القانون أداة ردعية وضبطية مهمة، إلا أن للمقاربة الوقائية دورها أيضا، وهو ما يحتم نهج سياسة متعددة الأبعاد لوقف انتشار هذه الظاهرة وتقليص مؤشراتها إلى أدنى المستويات الممكنة، وهذا ما سعت الحكومة إلى بُلوغه، من خلال اعتماد الإطار الاستراتيجي للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 من طرف ” اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة” في اجتماعها المنعقد يوم 17 مارس 2023.
وتجدر الإشارة إلى أن المكون الثاني للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 نص على ضرورة نهج سياسة عدم التسامح كليا فيما يخص العنف ضد النساء، واعتماد إجراءات زجرية صارمة مع السهر على تطبيقها، وتعزيز الشراكة بين الفاعلين المعنيين على طول سلسلة حزمة الخدمات المقدمة، من أجل تكفل أحسن بالنساء ضحايا العنف.
“وعلى مستوى منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف، عملت الحكومة على إحداث وتأهيل 83 مؤسسة متعددة الوظائف لفائدة النساء ضحايا العنف بهدف توفير مركز بكل إقليم لتوفير خدمة الإيواء، والتي تعتبر حلقة جد مهمة وأساسية في مجال التكفل بالنساء ضحايا العنف، إضافة إلى خدمات أخرى تتجلى في الاستماع والمواكبة الاجتماعية والاقتصادية من خلال توفير تكوينات متنوعة داخل هذه الفضاءات للاستجابة لحاجيات وانتظارات المستفيدات من خدماتها، وكذا إخراجهن من دائرة العنف” يقول المتحدث.
وذكَّر المسؤول الحكومي بإشكالية العنف الرقمي ضد النساء الذي وصل إلى مستويات مقلقة حسب الإحصائيات الرسمية (تقريبا مليون ونصف امرأة تعرضت للعنف الرقمي خلال سنة 2022)، مما بات معه ضرورة التدخل الفوري لتطويق الظاهرة والحد من آثارها السلبية، وتبني مقاربة جديدة بآليات قانونية رادعة للعنف الجديد الذي تتعرض له المرأة المغربية. وفي هذا المجال، قامت الحكومة بتنظيم الحملة الوطنية للتحسيس بمخاطر العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وقد سعت هذه الحملة إلى إبراز الوعي المجتمعي حول العنف الرقمي ومخاطره، وكذا تدارس سبل تعزيز الوقاية من آثاره وعواقبه.
وتمكنت الحكومة، وبإشراف مباشر من وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة،من تنظيم أكثر من 370 نشاطا بمختلف جهات المملكة، وبمشاركة أزيد من 27.435 مشاركة ومشارك، كما بلغ عدد مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، الذين مستهم الحملة، حوالي 1.500.000 شخص.
وأعرب رئيس الحكومة عن قلقله إزاء ظاهرة زواج القاصرات التي باتت تؤرق بال كل الفاعلين والمؤسسات، وتشكل إحدى الظواهر المقلقة، التي تمس بصورة تعاطي المجتمع المغربي المعاصر مع قضايا الطفولة. فرغم تقييدها بإطار تشريعي وقضائي لا تزال بلادنا تسجل حوالي 13.000 حالة سنويا.
وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة، انخرطت الحكومة في “خطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصرات”، والتي جاءت كمبادرة نوعية من رئاسة النيابة العامة، وإضافة لسلسلة المشاريع والأوراش الكبرى، التي انخرطت فيها بلادنا لمناهضة العنف ضد النساء وحماية الطفولة ومحاربة الهشاشة، حيث ترتكز هذه الخطة على أربعة محاور تهم تغيير العقليات والموروث الثقافي، والسياساتالعمومية، والإجراءات القضائية ثم التشريع؛ وقد تم إعداد هذه الخطة بشراكة بين رئاسة النيابة العامة والقطاعات الحكومية المتدخلة في الموضوع.
وتابع رئيس الحكومة: “لقد أبى جلالة الملك نصره الله، منذ تولي عرش أسلافه المنعمين، إلا أن يجعل قضية المرأة من أوائل اهتماماته الحقوقية وأوراشه الإصلاحية، فتعززت مكانة المرأة داخل المجتمع بمكتسبات جعلت منها شريكا حقيقيا لأخيها الرجل في بناء الأسرة المغربية ومن خلالها المجتمع برمته، حيث شكلت الإصلاحات العميقة التي عرفتها مدونة الأسرة في حينها، ثورة مجتمعية هادئة، تم تحقيقها بفضل الاجتهاد الفقهي المغربي الذي أبان عن تفرده في إطار إمارة المؤمنين”.
“ويأبى جلالة الملك اليوم، صونا للمكتسبات الحقوقية للمرأة المغربية، إلا أن يكون أول من ينبه إلى بعض مظاهر القصور التي أصبحت تحول دون بلوغ مقاصد المدونة، حيث أكد جلالته في خطاب العرش للسنة الماضية أن “مدونة الأسرة في صيغتها الحالية أصبحت غير كافية، وإن كانت شكلت قفزة إلى الأمام حين إقرارها. ذلك لأن التجربة أبانت عن عدة عوائق تحول دون تحقيقها لمجمل أهدافها”. وهو ما يدعونا إلى التجاوب مع النداء الملكي، من خلال التفكير الجماعي فيما يمكن العمل عليه.لتحيين الآليات والتشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة، وجعلها مواكبة للتطورات والتراكمات الحقوقية والمجتمعية المكتسبة خلال السنوات الماضية”.
ونحن كحكومة لا يسعنا إلا أن نثمن هذه الدعوة الملكية، التي تستلزم من كافة القوى الحية داخل المجتمع، وعلى رأسها البرلمان والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية والفعاليات المدنية الانخراط في النقاش العمومي، لبناء تصور واضح وموضوعي تجاه إصلاح مدونة الأسرة، وكلنا يقين، أن الاجتهاد الفقهي المغربي سيبدع مجددا حلولا تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وترتقي إلى مستوى الطموحات المجتمعية والحقوقية.
وتنفيذا للتعليمات السامية لجلالته، تعمل الحكومة على تفعيل دور المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات، للنهوض بوضعيتها.
في الختام، ومن موقع المسؤولية السياسية والتاريخية، لا يمكنني إلا التنويه بالمكتسبات الهامة التي حققتها المرأة المغربية خلال العقدين الماضيين بفضل إصرار جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على منح المرأة المغربية المكانة التي تستحقها وضمان جميع حقوقها، وستبقى قضية المرأة في طليعة الإصلاحات المؤسساتية التي تعرفها بلادنا.
فعلى الرغم من الحصيلة المرحلية الإيجابية التي حققتها الحكومة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة وحمايتها من كل أشكال التمييز وإقرار المساواة، فإننا عاقدون العزم على مواصلة الجهود من أجل تعزيز دور ومكانة المرأة في مختلف المجالات. فمغربنا لن يتمكن من رفع التحديات، إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، للنهوض بوضعية المرأة، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني. وهذا لن يتأتى إلا بضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات، لتحقيق مغرب التقدم والكرامة، كما يريده جلالة الملك.