شكلت التوجيهات الملكية السامية على الدوام، بوصلة واضحة الأهداف لاعتماد حكامة مؤسسية لقضايا التربية والتكوين، عبر دعوة جلالته المتبصرة كافة الفاعلين المعنيين بقطاع التعليم إلى تجويد السياسات والبرامج المعتمدة، وتوفير خدمات ذات جودة لفائدة الشباب، لتعزيز مسارات التمكين الدراسي والبحث العلمي والابتكار، وضمان الالتقائية المطلوبة بين إشكالية التشغيل وتأهيل الرأسمال البشري، وبالتالي خدمة أهداف التنمية الوطنية .
وسبق أن أكد جلالة الملك، نصره الله، بمناسبة المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس بتاريخ 7 يناير 2020 بمراكش، على العناية الخاصة التي يوليها جلالته للنهوض بالتعليم، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأدواره الحاسمة، كرافعة لتحقيق التنمية المستدامة، في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية
منطلقات ملكية سديدة من شأنها أن تحدد طريق عمل الحكومة، لاسيما فيما يتعلق باسترجاع جاذبية نظامنا التعليمي وجعله النواة الصلبة للنهوض بواقع الشباب وتقليص نسب البطالة وتعزيز الاندماج في سوق الشغل. بما ينسجم مع أهداف الرؤية الاستراتيجية المحددة في مضامين القانون الإطار 51.17.
منظومة حديثة
رئيس الحكومة عزيز أخنوش، متحدثا خلال جلسة الأسئلة الشهرية بمجلس النواب، حول السياسات العامة المتعلقة بموضوع “التعليم العالي”، يوم الاثنين 12 يونيو 2023، أكد أنه آن الأوان لكي تمتلك بلادنا منظومة حديثة للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، للتمكن على المدى القريب والمتوسط من الإحاطة بمختلف التحديات التي يعرفها واقعنا الراهن.
وأضاف رئيس الحكومة قائلا “لأجل ذلك نجحت الحكومة في صياغة تصور جديد للقطاع، ينبني على حزمة متجانسة من القيم بمقدورها تعبئة جميع الفاعلين ودعم التفافهم حول رؤية مشتركة وموحدة لهذا الإصلاح”، لاسيما عبر تكريس شفافية جميع المسارات والمنظومات الجامعية، وإرساء ميثاق للأخلاقيات يكرس المسؤولية المجتمعية والبيئية للجامعة، فضلا عن وضع منظومة لتقوية التميز الأكاديمي والعلمي والتدبيري، ووضع ميثاق للإنصاف وتكافؤ الفرص في مجال النوع والإدماج الاجتماعي، مع الحرص على الانفتاح المستمر على حاجيات سوق الشغل الوطني.
ولضبط مسار هذا الإصلاح البيداغوجي للجامعة والنهوض بمستوى مواردها البشرية، أكد أخنوش أنه تم منحه نفسا طويلا من خلال اعتماد أربعة مخططات مديرية ستشكل في مجملها أسسا مرجعية لقيادة تحول المنظومة في أفق 2030، وترتكز على المخطط المديري للتعليم العالي، الذي يشمل إعادة النظر في أولويات التكوين وفي الهندسة الجامعية لمؤسسات التعليم العالي الخاص والعام والمؤسسات الأجنبية، إضافة إلى المخطط المديري للبحث العلمي، الذي يهدف إلى إعادة تحديد أولويات عروض البحث العلمي وتعزيز مختبرات البحث، مع إعادة النظر في نظام براءات الاختراع العلمي.
كما يشمل، المخطط المديري للابتكار الذي يعمل على تجديد مواضيع الابتكار مع وضع هندسة جديدة للفاعلين المعنيين، لاسيما من خلال تعزيز دور الحاضنات ومراكز التحول التكنولوجي، وتحديث منظومة براءات الاختراع، إضافة إلى المخطط المديري للتحول الرقمي، الذي يستهدف مراجعة وتجويد المسارات الجامعية، لكل من الطالب والأستاذ الباحث وكافة الأطر الإدارية والتقنية، ناهيك عن تحفيز مسار المشاريع الناشئة والمستثمرين وباقي الشركاء.
وأوضح المتحدث أن من شأن إرساء هذه المرجعيات الكبرى، التأسيس لنموذج جديد للجامعة المغربية، تسعى الحكومة من خلاله إلى تحقيق آمال الطلبة والاستجابة لطموحاتهم، وذلك سواء من خلال إدماج الجامعة في محيطها الترابي والسوسيو -اقتصادي وتمكين المجالات الترابية من لعب دور محوري من حيث الابتكار وخلق القيمة المضافة، أو عبر التأسيس لمنظومة ناجعة للحكامة المؤسسية للقطاع، تقوم على إصلاح بيداغوجي شامل ومندمج وتعزز البحث العلمي بمعايير دولية.
كما يسعى هذا النموذج البيداغوجي الجامعي الجديد، وفق أخنوش، إلى الارتقاء بنظام LMD المتعلق بالإجازة والماستر والدكتوراه، للتأكيد على أن الجامعة ليست فقط فضاء لإعداد خريجين من أجل سوق الشغل، إنما الفضاء الأساسي لإنتاج المعرفة وتطوير مهارات الشباب.
وأضاف أن الأمر سيتم من خلال تعزيز مسارات التعلم بمهارات ذاتية وكفاءات أفقية لتعزيز الارتباط بالهوية المغربية وتقوية الرابط الاجتماعي، وإضافة إلى إدماج إشهادات في المهارات اللغوية والرقمية، وتطوير إمكانيات التدريس بالتناوب بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي، والعمل على تخريج جيل جديد من طلبة الدكتوراه بمعايير دولية قادرين على إنجاز أبحاث مبتكرة في مجالات ذات أولوية وطنية، حيث سيتم في مرحلة أولى إطلاق برنامج لتكوين 1.000 طالب دكتور- مدرب سنويا، ما سيمكن من توفير مشتل للكفاءات قادرة على تجديد هيئة الأساتذة الباحثين التي ستعرف خلال السنوات القادمة نسبا مهمة من الإحالة على التقاعد.
في هذا الإطار، وتأسيسا لهذه الرؤية سيتم على صعيد آخر إطلاق أجرأة هذا الإصلاح، يوضح أخنوش، أنه تمت، في مرحلة أولى، إعادة النظر في التنظيم البيداغوجي لسلك الإجازة واعتماد عدة مستجدات من شأنها أن تحدث قفزة نوعية من حيث جودة التعلمات وأداء المنظومة ككل، تتجلى في تدعيم الوحدات المعرفية وإدراج وحدات ممهننة لملاءمتها مع متطلبات النسيج الاقتصادي.
كما تم تطوير المهارات اللغوية من خلال التمكن من لغة التدريس وتعزيز الانفتاح على اللغات التي سيتم استعمال منصات رقمية في تدريسها، مع إلزامية الإشهاد في اللغات الأجنبية من أجل الحصول على الدبلوم، ثم تعزيز المهارات الرقمية من خلال تعميم وحدات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وكذا إحداث مراكز Code212 مفتوحة في وجه كافة الطلبة، بغض النظر عن تخصصهم الأكاديمي، مع توفير إمكانية الإشهاد في المهارات الرقمية للطلبة الراغبين في ذلك، إضافة إلى إدراج وحدات تكوينية في مهارات القوة، لاسيما عبر منصات رقمية ودروس مصورة، قصد تعزيز الكفاءات الأفقية والمهارات الذاتية، من بينها التعريف بالموروث التاريخي والثقافي والفني للمغرب وترسيخ قيم المواطنة والحس المدني.
وفي نفس الإطار، أكد أخنوش أنه سيتم العمل على إحداث جسور مرنة بين مختلف الشعب والتخصصات والمؤسسات واعتماد الأرصدة القياسية، من أجل المرونة في التوجيه وتغيير المسارات الدراسية، ستعزز فرص الطلبة لمواصلة مساراتهم الدراسية في حالة تعثرها، مع احتساب الكفايات والمعارف التي تم اكتسابها خلال الدراسة الجامعية، وهو ما سيحد من ظاهرة الهدر الجامعي، ويحفز الحركية الوطنية والدولية، كما وسيتم تعزيز هذا النموذج البيداغوجي بآليات التوجيه الضرورية وبأنماط جديدة للتعليم، فضلا عن تقوية المهارات اللغوية والرقمية.
وأضاف رئيس الحكومة، أنه بموجب هذا النموذج المبتكر، سيتم الارتكاز على بحث علمي يروم تحقيق التفوق الأكاديمي، حيث يرتقب تعبئة حوالي600 مليون درهم لإطلاق البرنامج الوطني لطلب عروض مشاريع بحثية تنصب أساسا حول قضايا السيادة الوطنية وتفتح آفاقا وفرصا للطلبة الدكاترة، و1300 منحة للتنقل لفائدة طلبة سلك الدكتوراه، خاصة على المستوى الدولي والبين -جامعي وبين الجامعة والمقاولات، وتعزيز التمويل في إطار البرامج الدولية للبحث العلمي وبرامج مثيلة.
إضافة إلى احتضان حوالي 60 مشروعا في إطار البرنامج الوطني للإنعاش والابتكار إلى غاية سنة 2023، لتصل في مجموعها إلى 100 مشروع محتضن، وإيداع حوالي 40 براءة اختراع إضافية من قبل الجامعات بنهاية 2023، ليصل عددها الإجمالي إلى 200 براءة، ثم إحداث وحدتين جديدتين من مدن الابتكار عند نهاية 2023.
جامعة مغربية منسجمة مع الإصلاحات
أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن الحكومة واعية برهانات التعليم العالي وتعمل على معالجة مختلف الإشكاليات التي يعاني منها القطاع، من أجل بناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية.
في هذا الإطار، قال أخنوش إن التوجيهات الملكية السامية شكّلت على الدوام، بوصلة واضحة الأهداف لاعتماد حكامة مؤسسية لقضايا التربية والتكوين، مذكرا بأن خلاصات النموذج التنموي الجديد كشفت الحاجة المتزايدة لتعزيز الرأسمال البشري كمسألة حاسمة لنجاح مسارات التنمية ببلادنا، وتعزيز قدرة المواطنين على مواجهة المستقبل وتمكين المملكة من تقوية تنافسيتها، مردفا “مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة مراجعة مختلف الارتباكات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين، عبر القيام بتحديث مستمر وفعلي لمؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة، والعمل على الرفع من حسن أدائها، وجعل الطالب في صلب هذه الإصلاحات وتأهيل قدراته العلمية والثقافية لإنجاح اندماجه في سوق الشغل”.
وبالنظر لكون الجامعة المغربية توجد في قلب الدينامية التنموية ببلادنا، يضيف أخنوش، فقد أولتها الحكومة عناية خاصة، من خلال مراجعة أهم التحديات التي تطرحها منظومة البحث العلمي والتكوين، وما يستلزمه ذلك من إعادة النظر في مختلف الجوانب التنظيمية والتأطيرية والبشرية المرتبطة بها، مردفا “لكن للأسف لازالت مؤسساتنا الجامعية تحيط بها العديد من مظاهر المحدودية المرتبطة أساسا، بمستوى المردودية ونقص الموارد البشرية ناهيك عن بعض التحديات الاستراتيجية والتنظيمية”.
وعلى سبيل المثال، يضيف أخنوش، بلغت نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم في الفترة الماضية ما يقارب 49%، ثم تسجيل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعة بنسبة 18,7% في نظام الاستقطاب المفتوح (8,5% في الاستقطاب المغلق)، مع تسجيل نسبة التأطير البيداغوجي أقل من المؤشرات المتعارف عليها عالميا بمعدل أستاذ واحد لحوالي 120 طالب في كليات الاستقطاب المفتوح، وتدني فاعلية الكليات متعددة التخصصات كنموذج منتقد دوليا، بحيث أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين بضرورة مراجعته.
وأيضا، يضيف رئيس الحكومة، تحدي إحالة 2200 من أجود الأطر التدريسية في أفق 2026 إلى التقاعد، ثم انغلاق المنظومة وعدم تماشيها مع أولويات التنمية على المستويين الجهوي والوطني، بالإضافة إلى تدني جودة البحث العلمي، سواء من حيث ضعف الميزانية المخصصة له ( 1,6 % من الميزانية العامة خلال سنتي 2021 و2022 ) أو من حيث عدد الباحثين الذي لا يتجاوز 1708 باحث لكل مليون نسمة.
وشدد رئيس الحكومة على أن الحكومة تعمل على معالجة هذه الإشكاليات ضمن مضامين التصور الاستراتيجي الذي أعدته الحكومة خلال سنتها الأولى، والذي سيحدد الخطوات اللازمة لبناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية.
في السياق نفسه، أشار أخنوش إلى وعي الحكومة برهانات هذا القطاع متعددة الامتدادات، دفعها لاعتماد مقاربة تشاركية واسعة النطاق من أجل تعبئة الذكاء الجماعي، من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية داخل الجامعة والقوى الحية على المستوى الجهوي والإقليمي، بما في ذلك الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني، ضمانا لتسريع اندماج المملكة في مجتمع المعرفة.
وتابع: “وهي مقاربة تشاورية، غير مسبوقة، تم في إطارها تنظيم 13 مناظرة جهوية حرصنا من خلالها على تعزيز ومواكبة عملية البناء المشترك لهذا الإصلاح”، مضيفا أن هذه المناظرات شكلت محطة أساسية لتبادل وجهات النظر وتقاسم الآراء بالإضافة إلى رصد تطلعات الفاعلين على المستوى الجهوي، بغية إرساء نموذج جامعي جديد يكرس الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة المغربية كمنارة للعلم والمعرفة ورافعة للقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دورها في إعداد كفاءات الغد.
وأبرز أن هذه المحطات عرفت تجاوبا كبيرا من لدن الفاعلين، حيث شهدت تعبئة ما يفوق 35.000 مشارك منهم 1350 فاعلا من الجماعات الترابية و580 فاعلا اقتصاديا و650 فاعلا من المجتمع المدني وأكثر من 400 مشارك من الكفاءات المغربية بالخارج.
كما تمخض عن هذه المناظرات، وفق رئيس الحكومة، أزيد من 3000 توصية من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة للقاءات التشاورية، وإبرام 127 اتفاقية شراكة بين الفاعلين على الصعيد الجهوي، تتعلق بالمجالات ذات الأولوية مثل السكن الجامعي، والمنح المخصصة للحركية الوطنية وكذا مسالك التكوين التي تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية.
جيل جديد من الجامعات المغربية
إلى ذلك، أفاد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن الأخيرة على دراية باستعجالية قضايا التعليم العالي والبحث العلمي، الشيء الذي يجعلها تحرص على إنشاء جيل جديد من الجامعات المغربية، التي تشتغل بمعايير التميز وبنماذج متجددة للحكامة، تستلزم مواكبتها وتعزيزها بالإمكانيات الملائمة للقيام بالمهام المنوطة بها.
في هذا الإطار، أبرز أخنوش، أن الحكومة عملت منذ توليها المسؤولية على تعبئة وإطلاق سلسلة من المبادرات التي تروم تحسين الحكامة المؤسسية لقطاع التعليم العالي والرفع من نجاعته، وإيجاد الأرضية اللازمة لتثبيت دعائم هذا الإصلاح الجديد، بشكل يلائم كل مكونات وأهداف المنظومة.
واستحضر أخنوش توقيع الحكومة على اتفاق اجتماعي مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، في إطار تعزيز الحوار الاجتماعي بتاريخ 20 أكتوبر الماضي، يهدف بشكل رئيسي إلى رد الاعتبار لمهنة الأستاذ الباحث وتعزيز جاذبيتها، مع الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج، وضمان ظروف اشتغال أفضل لفائدة هذه الفئة، وتثمين مجهوداتهم في مجالات التدريس والبحث والتأطير، وتقوية مكانة الجامعات وتأهيلها لاستقطاب الكفاءات.
واستعرض أخنوش أهم محاور هذا الاتفاق الاجتماعي، منها تحسين آليات الحكامة عبر مراجعة المنظومة التشريعية للقطاع، فضلا عن وضع نظام أساسي جديد خاص بهيئة الأساتذة الباحثين يكرس الاستحقاق والكفاءة، مع الشروع في تحسين الوضعية المادية لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، ومراجعة نظام التعويضات المخول لها، بالإضافة إلى أجرأة الإصلاح البيداغوجي الشامل مع بداية الموسم الجامعي 2024 -2023، من خلال فتح وتشجيع مسالك تكوين تستجيب لأولويات القطاعات الإنتاجية وخصوصيات المجالات الترابية.
وتثمينا للمجهودات المبذولة في مؤسسات التعليم العالي، أبرز أخنوش أن الحكومة توفقت الحكومة في بلوغ حصيلة مشرفة خلال السنة الأولى، إضافة إلى الرفع التدريجي لميزانية القطاع لتصل سنة 2023 إلى ما يناهز 15 مليار و 215 مليون درهم بارتفاع قدره 8% مقارنة بميزانية سنة 2022، والزيادة في عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع بإحداث 2.349 منصب مالي جديد، ستمكن من تحسين ولوجية الجامعات الوطنية وتعزيز طاقتها الاستيعابية، فضلا عن الرفع من المسالك المعتمدة خاصة الممهننة منها التي بلغت حوالي 54% في الموسم الجامعي المنصرم.
كما أبرز أنه تم رفع عدد الأطر البيداغوجية والأطر الإدارية والتقنية بنسبة 3% لكل منهما، دون إغفال النتائج المحققة على مستوى تحسين جودة الدعم الاجتماعي الموجه لفائدة الطلبة، والتي ساهمت في توسيع هامش التغطية من المنحة الجامعية والسكن الجامعي لتبلغ الخريطة الحالية 23 حيا جامعيا على المستوى الوطني، واستكمال مشاريع أخرى بمجموعة من المدن مع توسيع شبكة المراكز الصحية والرفع من عدد الطلبة المستفيدين من نظام التأمين الصحي الإجباري عن المرض.
كما همت هذه التدابير كذلك، يضيف أخنوش، تعزيز البنية التحتية للبحث العلمي والابتكار، وبالأخص ما يتعلق منها بإرساء نظام معلوماتي شامل ومندمج حول المنظومة، والتي ستساهم في توفير الأمن المعلوماتي.
وتابع أن المخطط الوطني الجديد سيولي أهمية كبرى لتعزيز الإدماج الاجتماعي للطلبة، في انسجام تام مع مبادئ الدولة الاجتماعية التي كرسها البرنامج الحكومي، وذلك من خلال توسيع قاعدة المستفيدين من المنح الجامعية، بحيث ارتفع عدد الطلبة الممنوحين من 385.000 سنة 2021 إلى 401.000 سنة 2022 و421.000 سنة 2023، كما سيعمل المخطط على تطوير عرض السكن الجامعي، عبر تسريع استكمال مشاريع التوسعة بعدة مدن جامعية وتحفيز الشراكة مع القطاع الخاص.
وأكد، في ختام كلمته أن مختلف المجهودات التي بذلها المغرب لبناء جامعة وطنية رائدة في مجال البحث العلمي والابتكار، يعود الفضل فيها بشكل أساسي، بعد التوجيهات المولوية لصاحب الجلالة، إلى التعبئة العالية والأدوار الطلائعية التي تقودها هيئات الأساتذة الباحثين ومجموع الأطر الإدارية والتقنية، التي تسهر جميعا على مواكبة الطلبة في مختلف التخصصات وتوفير الإرشادات العلمية والبيداغوجية اللازمة لهم، لتمكينهم من استكمال مساراتهم الدراسية في أفضل الظروف.
مشاريع النهوض بجودة التعليم العالي
وكشف عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن الأخيرة تعمل على توطيد أسس الحكامة الجيدة داخل الجامعة، من خلال إبرام عقود متعددة السنوات بين الدولة والجامعة، تستجيب لمعايير أداء واضحة ومدعومة بنظام للإدارة ومراقبة الأداء، ما سيجعل الجامعة منفتحة على محيطها من خلال شراكات متجددة مع الدولة والجهات، تساهم في الإعداد التشاركي لتخصصات التكوين مع كل الفاعلين في المنظومة الاقتصادية الترابية، بتعاون وثيق مع فعاليات المجتمع المدني.
وأبرز أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب، اليوم الإثنين، أن الحكومة تعمل كذلك على تقوية مجالات انفتاح الجامعة على الصرح الدولي، من خلال تنويع حركية الطلبة الباحثين والأطر الإدارية داخل البرامج الدولية، والعمل على إدماج الكفاءات المغربية بالخارج.
ولفت إلى أن الشروع في أَجرأة مختلف مكونات هذا التحول النوعي الذي سيشهده القطاع مستقبلا، ستواكبه العديد من الرافعات التقنية والتنظيمية لتسريع وتيرته الانتقالية نحو تحقيق أهدافه، خاصة في ما يتعلق بتفعيل التحول الرقمي للإدارة الجامعية ومراجعة عميقة لإطاره القانوني، وتنزيل نصوصه التطبيقية، دون إغفال البعد المتعلق بتعزيز الشراكات وفرص التعاون بين منظومة التعليم العالي والفاعلين المعنيين على مستوى المحيط الترابي والوطني والدولي.
واعتبر أن حجم الانتظارات الوطنية من هذا الإصلاح المرتقب، يقاس بمدى قدرتها على مواكبة التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة والانسجام مع أهداف ورش الدولة الاجتماعية، وهو ما جعله في مقدمة الأولويات وفي خدمة باقي الأجندات التي تقودها الحكومة.
وأورد في هذا السياق أن الحكومة أطلقت برامج تعاقدية للتكوين، تكرس الدور التنموي للجامعة. من أجل مواكبة حاجيات الاستراتيجيات القطاعية من حيث الرأسمال البشري.
وأفاد أنه على مستوى ورش تأهيل قطاع الصحة، تراهن الحكومة على كليات التعليم العالي في مهن الطب، للرفع من أعداد الأطر الصحية في أفق سنة 2030 ليصل إلى ثلاثة أضعاف العدد الحالي.
وبخصوص النهوض بجودة المدرسة العمومية، كشف أخنوش أن الحكومة تباشر تنزيل خارطة الطريق 2021-2026 بميزانية تفوق 4 مليارات درهم، بهدف إرساء هندسة جديدة للتكوين الأساسي الخاص بسلك الإجازة في التربية وجعله مسارا للتميز.
ويروم هذا البرنامج، الذي كان موضوع اتفاقية موقعة بين قطاعات المالية والتربية الوطنية والتعليم العالي، “تلبية الحاجيات الآنية والمستقبلية من الأساتذة بمختلف تخصصات سلكي التعليم الابتدائي والثانوي، وجعل مسالك الإجازة في التربية رافدا أساسيا لولوج مهن التدريس، من خلال الرفع من طاقتها الاستيعابية وجعلها أكثر جاذبية ، ما سيمكن من تسجيل حوالي 20.000 طالب سنويا”.
وأكد أن الحكومة تحرص على تعزيز جاذبية التكوين المهني، بتطويره ليتماشى مع حاجيات المقاولات من الموارد البشرية المؤهلة لتحسين الفرص المتاحة للخريجين الجدد والاستجابة لحاجيات سوق الشغل، وذلك عبر الالتزام بإيلاء العناية اللازمة للدور المحوري والتكميلي الذي يجب أن يلعبه التكوين المهني، إلى جانب التكوين الجامعي، في إعداد الكفاءات الضرورية لمواكبة احتياجات مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية وتوفير آفاق الشغل للشباب.
وأضاف أن الشراكة بين الجامعة والمقاولة تشكل حلقة محورية ضمن مسلسل الإنعاش الاقتصادي للبلاد، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى إلى تذليل الصعوبات التي تعترض ولوجية سوق الشغل، من خلال توفير الأطر والكفاءات المتخصصة لدعم تنافسية القطاعات الإنتاجية، والرفع من القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية.
في هذا الإطار، تطرق أخنوش لأبرز المشاريع التي تم تنزيلها لتعزيز شراكات الجامعة في مختلف المجالات، حيث أفاد أنه تم، على مستوى القطاع الصناعي، إحداث مسالك جديدة للتكوين في مجال الطيران وتصنيع السيارات بغية تكوين 100.000 خريج من المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين الممتازين في أفق 2026.
وفي قطاع الانتقال الرقمي، أبرز اخنوش أنه تم إعداد برنامج جديد للتكوين في الميدان الرقمي بغية مضاعفة عدد الخريجين والاستجابة للحاجيات الآنية والمستقبلية في هذا المجال، للوصول إلى 22.000 خريج في أفق 2026 و50.000 خريج في أفق 2030. على أن يتم، في قطاع العمل الاجتماعي، تكوين 10.000 متخصص ومتخصصة في هذا المجال في أفق 2030.
كما لفت الانتباه إلى أنه سيتم إشراك الكفاءات المغربية بالخارج في مهام التدريس والبحث، ضمن مهام رئاسة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وإعادة النظر في برنامج “فينكم”، من خلال إدراج مقتضيات تنظيمية في النظام الأساسي الجديد للأساتذة-الباحثين، ما من شأنها الرفع من جاذبية منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالنسبة لهذه الكفاءات، حسب تعبير رئيس الحكومة.