قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إن الحكومة عملت على تعزيز مقاربة النوع في الإدارة العمومية، عبر خطط العمل المتعلقة باستراتيجية “مأسسة المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية”، وذلك بهدف تعزيز قابلية التوظيف والتمكين الاقتصادي للنساء، وتحسين تمثيليتها على مستوى هيئات اتخاذ القرار بمختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية.
وللتسريع من وتيرة تفعيل الخطة الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز قدرات المرأة ودعم قيادتها، تم التركيز على مجموعة من الإجراءات، يقول أخنوش متحدثا خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول موضوع “تمكين المرأة المغربية ورهانات التنمية”، الاثنين 17 يوليو 2023، أهمها تعزيز القدرات القيادية لممثلات شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات ونقط ارتكاز النوع الاجتماعي ووكلاء الإدارة فيما يخص مأسسة المساواة في الوظيفة العمومية على الصعيدين المركزي والترابي، ودعم ومواكبة آليات مأسسة المساواة في الوظيفة العمومية، فضلا عن التواصل والتوعية وتعميم أدوات التسيير على المستوى المركزي والترابي.
وفي إطار تنفيذ مضامين استراتيجية مأسسة مقاربة النوع بالوظيفة العمومية، وبغية تعزيز تواجد المرأة في مختلف مناصب المسؤولية، عملت الحكومة على اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها تمكين المرأة من التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة، وكذا تعزيز الترسانة القانونية بنصوص تهدف إلى تمكينها من العمل في ظروف أفضل تراعي خصوصيتها. مع مراعاة حقوق النساء الموظفات انسجاما مع مبدأ المسؤولية المشتركة الذي تقوم عليه الأسرة المغربية.
كما تم إقرار عدد من التدابير والإجراءات الرامية إلى تكريس الحقوق المرتبطة بالأمومة وترسيخ المساواة في رعاية الأطفال والتي تهم استفادة الموظف الرجل الذي ولد له طفل أو أسندت إليه كفالة من رخصة عن الأبوة، مدتها خمسة عشر( 15 ) يوما متصلة ومؤدى عنها، بالإضافة إلى استفادة الموظفة التي أسندت إليها كفالة طفل، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من رخصة عن الكفالة.
وقد سبق للحكومة أن اتفقت مع النقابات ومع أرباب العمل على تعديل مدونة الشغل، لحل عدد من الإشكالات من بينها دعم المساواة بين الجنسين في فضاء العمل، حيث تعمل الحكومة على فتح النقاش حول تعديل مدونة الشغل.
وتوجَّه رئيس الحكومة بالحديث للنواب والنائبات بالبرلمان المغربي، قائلا: “تدركون جميعا حجم الآثار والتداعيات الوخيمة التي يخلفها العنف ضد النساء والفتيات، بما ينعكس سلبا على الاستقرار الأسري والاجتماعي، دون إغفال التكلفة الاقتصادية والخسائر المالية التي تتحملها الدولة جراء هذه الممارسات. فعلى الرغم من الجهود التي بذلتها بلادنا في مجال مناهضة العنف ضد المرأة فإن هذه الظاهرة ما تزال تعرف انتشارا واسعا سواء داخل الأسرة أو في الفضاء العام.حيث يبلغ انتشار العنف بين النساء من 18 إلى 64 سنة ما معدله 54%”.
وفي إطار سعيها لتعزيز حماية المرأة من كافة أشكال العنف الممارس ضدها، عملت الحكومة وفق عزيز أخنوش، على إدراج محاور التدخل لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في إطار استراتيجيتها: “جسر نحو تنمية اجتماعية دامجة ومبتكرة ومستدامة 2022 – 2026″، وذلك من خلال نهج جديد يهدف إلى بناء رؤية شمولية ومقاربة تشاركية مع كافة الفاعلين، بإدماج مقاربات جديدة منها تقوية الوقاية عبر الاستثمار في قنوات التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة، باعتبارها رافعة للتنمية الاجتماعية الدامجة والمستدامة، وكذا اعتماد الرقمنة لمواجهة الظاهرة وتسهيل الولوج للخدمات: عبر استثمار التكنولوجيات الحديثة في التوعية والتحسيس، والوقاية من العنف وتطوير حلول تكنولوجية لتسهيل التبليغ عن العنف والحماية منه والرفع من فعالية توجيه ومواكبة النساء والفتيات.
كما حرصت الحكومة، في إطار مقاربتها الشاملة، على مواكبة تفعيل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي يعتمد على المبادئ الأساسية المتبعة في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء، وهي: زجر مرتكبي العنف، والوقاية من العنف، وحماية ضحايا العنف، والتكفل بضحايا العنف. وهو القانون الذي مرت على دخوله حيز التنفيذ أزيد من خمس سنوات.
وأورد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أنه على الرغم من الأهمية التي تكتسيها المقاربة الزجرية في التصدي للعنف الذي يطال النساء، باعتبار القانون أداة ردعية وضبطية مهمة، إلا أن للمقاربة الوقائية دورها أيضا، وهو ما يحتم نهج سياسة متعددة الأبعاد لوقف انتشار هذه الظاهرة وتقليص مؤشراتها إلى أدنى المستويات الممكنة، وهذا ما سعت الحكومة إلى بُلوغه، من خلال اعتماد الإطار الاستراتيجي للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 من طرف ” اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة” في اجتماعها المنعقد يوم 17 مارس 2023.
وتجدر الإشارة إلى أن المكون الثاني للخطة الحكومية للمساواة 2023 – 2026 نص على ضرورة نهج سياسة عدم التسامح كليا فيما يخص العنف ضد النساء، واعتماد إجراءات زجرية صارمة مع السهر على تطبيقها، وتعزيز الشراكة بين الفاعلين المعنيين على طول سلسلة حزمة الخدمات المقدمة، من أجل تكفل أحسن بالنساء ضحايا العنف.
“وعلى مستوى منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف، عملت الحكومة على إحداث وتأهيل 83 مؤسسة متعددة الوظائف لفائدة النساء ضحايا العنف بهدف توفير مركز بكل إقليم لتوفير خدمة الإيواء، والتي تعتبر حلقة جد مهمة وأساسية في مجال التكفل بالنساء ضحايا العنف، إضافة إلى خدمات أخرى تتجلى في الاستماع والمواكبة الاجتماعية والاقتصادية من خلال توفير تكوينات متنوعة داخل هذه الفضاءات للاستجابة لحاجيات وانتظارات المستفيدات من خدماتها، وكذا إخراجهن من دائرة العنف” يقول المتحدث.
وذكَّر المسؤول الحكومي بإشكالية العنف الرقمي ضد النساء الذي وصل إلى مستويات مقلقة حسب الإحصائيات الرسمية (تقريبا مليون ونصف امرأة تعرضت للعنف الرقمي خلال سنة 2022)، مما بات معه ضرورة التدخل الفوري لتطويق الظاهرة والحد من آثارها السلبية، وتبني مقاربة جديدة بآليات قانونية رادعة للعنف الجديد الذي تتعرض له المرأة المغربية. وفي هذا المجال، قامت الحكومة بتنظيم الحملة الوطنية للتحسيس بمخاطر العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وقد سعت هذه الحملة إلى إبراز الوعي المجتمعي حول العنف الرقمي ومخاطره، وكذا تدارس سبل تعزيز الوقاية من آثاره وعواقبه.
وتمكنت الحكومة، وبإشراف مباشر من وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة،من تنظيم أكثر من 370 نشاطا بمختلف جهات المملكة، وبمشاركة أزيد من 27.435 مشاركة ومشارك، كما بلغ عدد مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي، الذين مستهم الحملة، حوالي 1.500.000 شخص.
وأعرب رئيس الحكومة عن قلقله إزاء ظاهرة زواج القاصرات التي باتت تؤرق بال كل الفاعلين والمؤسسات، وتشكل إحدى الظواهر المقلقة، التي تمس بصورة تعاطي المجتمع المغربي المعاصر مع قضايا الطفولة. فرغم تقييدها بإطار تشريعي وقضائي لا تزال بلادنا تسجل حوالي 13.000 حالة سنويا.
وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة، انخرطت الحكومة في “خطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصرات”، والتي جاءت كمبادرة نوعية من رئاسة النيابة العامة، وإضافة لسلسلة المشاريع والأوراش الكبرى، التي انخرطت فيها بلادنا لمناهضة العنف ضد النساء وحماية الطفولة ومحاربة الهشاشة، حيث ترتكز هذه الخطة على أربعة محاور تهم تغيير العقليات والموروث الثقافي، والسياساتالعمومية، والإجراءات القضائية ثم التشريع؛ وقد تم إعداد هذه الخطة بشراكة بين رئاسة النيابة العامة والقطاعات الحكومية المتدخلة في الموضوع.
وتابع رئيس الحكومة: “لقد أبى جلالة الملك نصره الله، منذ تولي عرش أسلافه المنعمين، إلا أن يجعل قضية المرأة من أوائل اهتماماته الحقوقية وأوراشه الإصلاحية، فتعززت مكانة المرأة داخل المجتمع بمكتسبات جعلت منها شريكا حقيقيا لأخيها الرجل في بناء الأسرة المغربية ومن خلالها المجتمع برمته، حيث شكلت الإصلاحات العميقة التي عرفتها مدونة الأسرة في حينها، ثورة مجتمعية هادئة، تم تحقيقها بفضل الاجتهاد الفقهي المغربي الذي أبان عن تفرده في إطار إمارة المؤمنين”.
“ويأبى جلالة الملك اليوم، صونا للمكتسبات الحقوقية للمرأة المغربية، إلا أن يكون أول من ينبه إلى بعض مظاهر القصور التي أصبحت تحول دون بلوغ مقاصد المدونة، حيث أكد جلالته في خطاب العرش للسنة الماضية أن “مدونة الأسرة في صيغتها الحالية أصبحت غير كافية، وإن كانت شكلت قفزة إلى الأمام حين إقرارها. ذلك لأن التجربة أبانت عن عدة عوائق تحول دون تحقيقها لمجمل أهدافها”. وهو ما يدعونا إلى التجاوب مع النداء الملكي، من خلال التفكير الجماعي فيما يمكن العمل عليه.لتحيين الآليات والتشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة، وجعلها مواكبة للتطورات والتراكمات الحقوقية والمجتمعية المكتسبة خلال السنوات الماضية”.
ونحن كحكومة لا يسعنا إلا أن نثمن هذه الدعوة الملكية، التي تستلزم من كافة القوى الحية داخل المجتمع، وعلى رأسها البرلمان والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية والفعاليات المدنية الانخراط في النقاش العمومي، لبناء تصور واضح وموضوعي تجاه إصلاح مدونة الأسرة، وكلنا يقين، أن الاجتهاد الفقهي المغربي سيبدع مجددا حلولا تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وترتقي إلى مستوى الطموحات المجتمعية والحقوقية.
وتنفيذا للتعليمات السامية لجلالته، تعمل الحكومة على تفعيل دور المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات، للنهوض بوضعيتها.
في الختام، ومن موقع المسؤولية السياسية والتاريخية، لا يمكنني إلا التنويه بالمكتسبات الهامة التي حققتها المرأة المغربية خلال العقدين الماضيين بفضل إصرار جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على منح المرأة المغربية المكانة التي تستحقها وضمان جميع حقوقها، وستبقى قضية المرأة في طليعة الإصلاحات المؤسساتية التي تعرفها بلادنا.
فعلى الرغم من الحصيلة المرحلية الإيجابية التي حققتها الحكومة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة وحمايتها من كل أشكال التمييز وإقرار المساواة، فإننا عاقدون العزم على مواصلة الجهود من أجل تعزيز دور ومكانة المرأة في مختلف المجالات. فمغربنا لن يتمكن من رفع التحديات، إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، للنهوض بوضعية المرأة، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني. وهذا لن يتأتى إلا بضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات، لتحقيق مغرب التقدم والكرامة، كما يريده جلالة الملك.