بتاريخ 30 أبريل 2022، جرى توقيع اتفاق اجتماعي جمع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والحكومة المغربية الحريصة على تفعيل الرؤية الملكية السامية الرامية إلى مَأسَسَة الحوار الاجتماعي، ورفعه إلى مرتبة الخيار الاستراتيجي.حيث بادرت الحكومة منذ تنصيبها إلى بناء شراكات متينة مع الفُرقاء الاجتماعيين، قصد وضع أسس حوار اجتماعي جاد ومنتظم، والوفاء بكافة الالتزامات الاجتماعية الواردة في البرنامج الحكومي.
خيار استراتيجي
وسبق لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن أكد أنَّ الحوار الاجتماعي يشكل اختيارا استراتيجيا للمغرب الذي أقرَّ منذ دستور 1962 بالطابع الاجتماعي لنظام الملكية الدستورية.
وأبرز جلالة الملك، ضمن الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثاني للعدالة الاجتماعية المقام بالعاصمة الرباط، فبراير 2017، أن الحوار الاجتماعي شكَّل “مبدأ ومنهجا، دعَوْنا إليه منذ اعتلاء عرش أسلافنا المنعمين، مختلف أطراف علاقات العمل وذلك باعتماده، ومَأسَسَته، بوصفه اختيارا استراتيجيا لبلادنا التي أقرت منذ دستور1962 بالطابع الاجتماعي لنظام الملكية الدستورية”.
واعتبر جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن “الرهان الأول يتمثل في مأسسة آليات حوار اجتماعي، مبسطة في مسطرتها، واضحة في منهجيتها، شاملة لأطرافها، منتظمة في انعقادها، في حين يتمثل الرهان الثاني في ضرورة توسيع موضوعات الحوار الاجتماعي لتشمل قضايا جديدة تعتبر من صميم انشغالات جلالته، ومن صلب الالتزامات الدستورية والاتفاقية للمملكة”.
وتابع جلالة الملك، أن الرهان الثالث يتمثل في ضرورة “بناء المنظومة الجديدة للحوار الاجتماعي باستحضار متطلبات المساواة بين الجنسين، ومقاربة حقوق الإنسان، والتزامات المغرب بمقتضى اتفاقيات منظمة العمل الدولية، ومتطلبات التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية”، فيما يتمثل الرهان الرابع في اعتبار “مأسسة الحوار الاجتماعي مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة”.
وفاء بالالتزامات
وتفعيلا للرؤية الملكية المتبصرة، جرى عقد المحطة الثانية من جولات الحوار الاجتماعي، التي دعا إليها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بمشاركة المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، في 14 شتنبر 2022، تمَّ خلالها الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة المواضيع الراهنة، وفق الجدولة الزمنية المبرمجة في اتفاق 30 أبريل 2022.
وتهم هذه المواضيع بالخصوص مراجعة نظام الضريبة على الدخل، وإصلاح أنظمة التقاعد، وإعادة النظر في عدد من تشريعات العمل، إضافة إلى وضع تصور مشترك لإرساء المرصد الوطني للحوار الاجتماعي وأكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي، باعتبارها آليات مواكبة لمأسسة الحوار الاجتماعي.
وعملت الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، إذ شرعت ابتداء من شهر شتنبر 2022 في تنزيل مخرجات الحوار الاجتماعي، من خلال الرفع الفوري بنسبة 5% من الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة (SMIG)، وبنسبة 10% في القطاع الفلاحي (SMAG).
أما في إطار إصلاح أنظمة التقاعد، فعملت الحكومة على تخفيض شروط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3.240 يوم اشتراك إلى 1.320 يوما، مع تمكين المؤمن له البالغ السن القانوني للإحالة على التقاعد والمتوفر على 1.320 يوما من الاشتراك، من استرجاع حصة الاشتراكات الأجرية واشتراكات المُشغِّل. كما عملت على الرفع من قيمة التعويضات العائلية في القطاعين العام والخاص ومن الحد الأدنى للأجر في القطاع العام ليبلغ 3500 درهم، وحذف السلم 7، والرفع من حصيص الترقي في الدرجة إلى 36 % بالنسبة لفئة الموظفين، وإجراءات أخرى تهدف إلى تحسين وضعية أجراء القطاعين العام والخاص.
وفضلا عن وفائها بكل التزاماتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022، بادرت الحكومة في 9 شتنبر 2022، تجاوبا مع مطالب ومقترحات المركزيات النقابية، وبمناسبة انعقاد المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى اعتماد زيادة في المعاشات لفائدة المتقاعدين عن القطاع الخاص، المُحالين على التقاعد إلى تاريخ 31 دجنبر 2019، بنسبة 5%، مع حد أدنى قدره 100 درهم شهريا وبأثر رجعي من فاتح يناير 2020.
ويرى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن مأسسة الحوار الاجتماعي تعد مكتسبا مهما “سيضمن استمراريته وتطوره ومساءلة أطرافه الثلاثة بشأن التزاماتها”، واعتبر أن الاتفاق الاجتماعي الذي تم التوقيع عليه من قبل الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في 30 أبريل الماضي، “يؤسس لثقافة جديدة مبنية على احترام النقابات والإشراك الحقيقي في بناء التصورات كما يتضمن أجندة كبرى للإصلاحات التي تحتاجها المملكة”.
وسجل الوزير أن الاتفاق ينص لأول مرة على مفهوم جديد يسمى بـ”السنة الاجتماعية” تبدأ في فاتح مايو وتنتهي في 30 أبريل من السنة الموالية، مبرزا أن الأطراف الثلاثة الموقعة على الاتفاق ستعمل على إنجاز حصيلة سنوية على المستوى الاجتماعي.
وبخصوص تنزيل مضامين الاتفاق الاجتماعي، ذكر الوزير بأن جميع القطاعات الوزارية المعنية تعمل في إطار لجان، مشيرا إلى أنه سيتم عقد اجتماع بين رئيس الحكومة والنقابات من أجل متابعة جميع الالتزامات الواردة في الاتفاق.
تجويد التعليم العالي
لم تتوقف جهود الحكومة عند هذا الحد، بل قامت بتاريخ 20 أكتوبر 2022 بتوقيع اتفاق بين الحكومة و”النقابة الوطنية للتعليم العالي”، يهدف إلى تأهيل وتجويد منظومة التعليم العالي بما فيها رد الاعتبار وتعزيز جاذبية مهنة الأستاذ الباحث والانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج، وضمان ظروف اشتغال أحسن لفائدته، وتثمين مجهوداته في مجالات التدريس والبحث والتأطير، وتعزيز مكانة الجامعات وتأهيلها لاستقطاب الكفاءات.
وأكد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن النهوض بقطاع التعليم العالي وتعزيز كفاءات الجامعة المغربية، رهين بانخراط أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي في إنجاحه، منوها بالعمل الذي قام به أساتذة التعليم العالي في مغربة الأطر.
وأضاف بأن المخطط الوطني لتسريع تحـــول منظومة التعليم العالـي والبحث العلمي والابتكار، الذي أعدته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بطريقة تشاركية، يكتسي بُعدا استراتيجيا، ويستمد جوهره من التوجيهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد. كما يهدف إلى ترجمة أولويات البرنامج الحكومي، خصوصا في شقه المتعلق بتطوير الرأسمال البشري.
وتنقسم بنود الاتفاق إلى ثلاثة محاور أساسية، مرتبطة بتعزيز آليات الحكامة على مستوى مؤسسات التعليم العالي وذلك بمراجعة القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي، وتحفيز الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وتثمين مجهوداتهم، وتفعيل مخطط تسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار .
وبفضل هذا الاتفاق، سيتم وضع نظام جديد خاص بهيئة الأساتذة الباحثين يكرس الاستحقاق والكفاءة. كما ينص الاتفاق على تحسين الوضعية المادية لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، من خلال مراجعة نظام التعويضات المخول لها، بحيث ستصرف هذه التعويضات على امتداد 3 سنوات ابتداء من فاتح يناير 2023.
وسيتم بموجب هذا الاتفاق أيضا، إطلاق أجرأة الإصلاح البيداغوجي الشامل مع بداية الموسم الجامعي 2024-2023، مع فتح وتشجيع مسالك تكوين تتلاءم مع أولويات القطاعات الإنتاجية وخصوصيات المجالات الترابية.