تشــهد بلادنا تطــورا متواصــلا بفضــل الأوراش والإصلاحــات الكبــرى التــي تعــزز نموذجهــا الاجتماعــي والتنموي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمـد السـادس نصـره الله، فقد عملـت المملكـة على مــدى العشــرين ســنة الماضيــة، علــى تنفيــذ مجموعــة مـن البرامـج الكبـرى غايتهـا الرئيسـية التوزيـع العـادل لمقـدرات المملكة والإرساء الفعلي لمبـادئ التضامن والعدالــة وتحســين الظــروف المعيشــية للمواطنيــن والحــد مــن أوجــه عــدم المســاواة، حيــث شــملت هــذه البرامج على سـبيل المثال لا الحصر، نظام المسـاعدة الطبية الرامي إلى ضمـان حصول الفئات الأكثر احتياجا من السكان على الرعاية الصحية الأساسية، والمبادرة الوطنيــة للتنميــة البشــرية الهادفــة لمكافحــة الفقــر والهشاشــة والإقصاء الاجتماعي، وبرنامــج تيســير وعمليــة مليــون محفظــة مــن أجــل تشــجيع تعليــم الأطفال ومحاربـة الهـدر المدرسـي، فضـلا عـن إحـداث برنامــج الدعــم المباشــر للنســاء الأرامل فــي وضعيــة هشــة الحاضنــات لأطفالهن اليتامــى.
وقد ساعدت هذه البرامج على تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا، وتحســين فــرص الحصــول علــى التعليم والرعاية الصحية، ومكافحة الفقر والهشاشة. كما أثبتت التزام بلادنا بالحد من التفاوتات الاجتماعية، إلا أنهـا ظلـت، على الرغم مـن أثرها الإيجابي، غير كافية لتحقيـق كافـة الأهداف المتوخـاة منها. فقــد أبانــت هــذه البرامــج عــن محدوديــة أثرهــا علــى مؤشــرات التنميــة البشــرية ببلادنــا، حيــث ظلــت البرامــج الاجتماعية، كمــا أكــد علــى ذلــك صاحــب الجلالة الملــك محمــد الســادس نصــره الله فــي خطابـه السـامي بمناسـبة عيـد العـرش المجيـد بتاريـخ 29 يوليــوز 2018 “مشــتتة بيــن العديــد مــن القطاعــات الوزاريــة، والمتدخليــن العمومييــن، و[…] تعانــي مــن التداخــل، ومــن ضعــف التناســق فيمــا بينهــا، وعــدم قدرتهــا علــى اســتهداف الفئــات التــي تســتحقها”.
وعلــى هــذا الأساس، شــكل المشــروع المجتمعــي لتعميـم الحمايـة الاجتماعية، الـذي أسـس لـه صاحـب الجلالة نصـره الله، وفـق منظـور شـامل ومتكامـل وتم تحديـد جوانبـه فـي القانـون الإطار رقـم 09.21 المتعلـق بالحمايـة الاجتماعية وفـق خارطـة طريـق مهيكلـة مـن أجــل تنفيــذ هــذا الإصــلاح وفــق محــاور محــددة وتأطيــر زمنـي محكم، شـكل لبنـة أساسـية في تكريـس مفهوم الدولــة الاجتماعية، ونقطــة تحــول فــي مســار تحقيــق العدالــة الاجتماعية وصــون كرامــة المواطنيــن.
فبعـد النجـاح فـي تنزيـل المرحلـة الأولى لهـذا الـورش، المتعلقــة بتعميــم التأميــن الإجباري الأساسي عــن المـرض منـذ نهايـة سـنة 2022 والإسراع فـي مواصلـة تأهيــل المنظومــة الصحيــة الوطنيــة، بــادرت الحكومــة إلى إطلاق ورش الدعم الاجتماعي المباشر خلال شهر دجنبر 2023 في احترام تام للآجال والتوجيهات الملكية الســامية الــواردة فــي خطــاب جلالته بمناســبة افتتــاح الدورة الأولى من السـنة التشـريعية الثالثة من الولاية التشـريعية الحاديـة عشـرة، الـذي أكـد فيـه علـى أن هـذا البرنامـج لا يجـب أن يقتصـر علـى التعويضـات العائليـة فقــط، بــل يجــب أن يتجاوزهــا “ليشــمل أيضــا بعــض الفئـات الاجتماعية التـي تحتـاج إلـى المسـاعدة، ويهـم هــذا الدعــم الأطفال فــي ســن التمــدرس، والأطفال فـي وضعيـة إعاقـة، والأطفال حديثـي الـولادة، إضافـة إلــى الأسر الفقيــرة والهشــة بــدون أطفــال فــي ســن التمـدرس، خاصـة منهـا التـي تعيـل أفـرادا مسـنين”.
” وفي هـذا الصدد، عكفـت الحكومة على إعـداد وتحصين الإطار العملــي والزمنــي والميزانياتـي لهــذا الــورش، وكــذا تحديــد كيفيــات وشــروط تنزيلــه، مــع اســتكمال منظومــة اســتهداف المســتفيدين منــه وتأميــن الاعتمــادات الماليــة لاســتدامته، وذلــك وفــق مقاربــة تشــاركية وتنســيق محكــم بيــن جميــع القطاعــات الوزارية المعنيـة، حيث تم في ظرف وجيز إعداد وإخراج جميــع النصــوص القانونيــة والتنظيميــة المؤطــرة لــه، لاســيما منهــا القانــون رقــم 58.23 المتعلــق بنظــام الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تضمن تحديد مكونات الدعـم وشـروط الاستفادة منهـا وكـذا التنصيـص على بعض القواعد التي تخص الحالات الاستثنائية وأحكام أخرى مرتبطة بمبادئ وكيفيات الاستفادة والتدبير، ثم القانـون رقـم 59.23 المتعلـق بإحـداث الوكالـة الوطنيـة للدعـم الاجتماعي، في شـكل مؤسسـة عموميـة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاسـتقلال المالي، يعهد إليها بتدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر طبقا للنصوص التشـريعية والتنظيميـة الجـاري بهـا العمل.
واســتنادا إلــى ذلــك، يعتمــد نظــام الدعــم الاجتماعي المباشــر علــى مقاربــة جديــدة فــي معالجــة القضايــا الاجتماعية المرتبطة بمحاربة الفقر والهشاشة ودعم الطبقـة المتوسـطة، وهـي تنبنـي علـى الدعـم المباشـر للطلــب، عــوض دعــم العــرض مــن خــال تقديــم دعــم مالـي مباشـر لملاييـن مـن الأسر غيـر المشـمولة حاليـا بأنظمــة الضمــان الاجتماعي، والمســتوفية لشــروط الاستهداف بعــد تســجيلها فــي الســجل الاجتماعي الموحد، ويشتمل الدعم الذي ستعرف مقاديره تطورا لتســتقر بحلــول ســنة 2026 علــى:
• إعانــات للحمايــة مــن المخاطــر المرتبطــة بالطفولــة، تقـوم علـى تقديـم دعـم مباشـر للأسر التـي لهـا أولاد بمـن فيهـم الأولاد المتكفـل بهـم، ويشـتمل الصنـف الأول علــى منحــة شــهرية ودعــم تكميلــي ومنحــة للولادة.
• إعانــة جزافيــة تقــوم علــى تقديــم دعــم مباشــر للأسر، ولاسـيما تلك التي توجد في وضعية فقر أو هشاشـة أو تعانـي مـن المخاطـر المرتبطـة بالشـيخوخة.
• إعانـة خاصـة تقـوم علـى تقديـم دعـم للأطفال اليتامى والأطفال المهمليــن نزلاء مؤسســات الرعايــة الاجتماعية.
وتجــدر الإشارة إلــى أنه تنفيــذا للتعليمــات الملكيــة السـامية، فإن القيمة الدنيا للدعم بالنسـبة لكل أسرة مســتهدفة، كيفمــا كانــت تركيبتهــا، لــن تقــل عــن 500 درهــم فــي الشــهر.
ومــن بيــن الأهداف التــي يرمــي إليهــا تفعيــل هــذا الــورش:
• تحســين مؤشــرات التنميــة الاجتماعية والبشــرية مـن خـلال تقليـص نسـب الفقـر والهشاشـة والحـد مـن الفـوارق الاجتماعية.
• الاستثمار في العنصر البشري من خلال الاستثمار في الطفولة المبكرة.
• تحسـين الولـوج للصحـة والتعليـم مـن خـلال الحـث علـى تمـدرس الأطفال وتشـجيع النسـاء الحوامـل علـى متابعة الفحوصـات الطبية خلال فتـرة الحمل وبعـد الوالدة.
• توفيــر الرعايــة للفئــات الهشــة، خصوصــا منهــا الأطفال فــي وضعيــة إعاقــة، والأسر التــي تعيــل الأشخاص المســنين.
• تكريــس مبــادئ التضامــن الاجتماعي والعدالــة الاجتماعية.
أمـا مـن حيـث المجهـود المالـي الـذي سـيكلفه تفعيـل هــذا الــورش، فيقــدر بـ 25 مليــار درهــم برســم ســنة2024 ، ثـم 26,5 برسـم سـنة 2025 ، ليبلـغ 29 مليـار درهم بحلول سـنة 2026 سيتم تمويله أساسا من العائدات الجبائيــة الخاصــة بالمســاهمة الاجتماعية التضامنيــة علــى الأرباح، والدخــول الخاصــة بالمقاولات، وكــذا مــن خــلال تجميــع وإعــادة توجيــه الاعتمــادات الماليــة المســخرة لبعــض برامــج الدعــم الســابقة والحاليــة، بكيفيـة معقلنـة ومدروسـة، كبرامـج “تيسـير” و”مليـون محفظـة”، بالإضافة إلـى برامـج أخـرى فـي إطـار إعـادة هيكلتهــا أو تقليــص جــزء مــن اعتماداتهــا، وأخيــرا الاعتمـادات المتأتيـة مـن الإصـلاح التدريجـي لصنـدوق المقاصـة، وسـيتم تخصيص المـوارد المتأتيـة من هذه التدابيــر لفائــدة “صنــدوق دعــم الحمايــة الاجتماعية والتماســك الاجتماعي” المخصــص لتمويــل الــورش الملكــي لتعميــم الحمايــة الاجتماعي.
وقد بلغ عدد المستفيدين منذ إطلاق منصة التسجيل الإلكترونية ma.asd.www ابتداء مـن 2 دجنبر 2023 إلى حـدود نهايـة شـهر مـارس 2024 ، 3.528.743، أسـرة ما يعادل12 مليون شـخص، تتوزع حسب نوعية الإعانات على الشـكل التالي:
• إعانــات الحمايــة مــن المخاطــر المرتبطــة بالطفولــة: 2.146.630
• الإعانات الجزافية: 1.379.226
• منحة الوالدة: 2.887
منظومة الاستهداف الاجتماعي
تعتبــر منظومــة الاستهداف الاجتماعي إحــدى دعائــم إصلاح نظـام الحمايـة الاجتماعية، وآليـة مبتكـرة تـروم تحقيــق النجاعــة والفعاليــة فــي اســتهداف الأسر وتبســيط المســاطر وتعزيــز عمليــة الإدماج للولــوج إلــى برامــج الدعــم الاجتماعي، وقــد أحدثــت هــذه الآلية بمقتضــى القانــون رقــم 72.18 المتعلــق بمنظومــة اسـتهداف المسـتفيدين مـن برامـج الدعـم الاجتماعي وإحــداث الوكالــة الوطنيــة للســجلات.
وتقوم هذه المنظومة على السجل الوطني للسكان RNP، الـذي يتـم فـي إطـاره معالجـة المعطيـات ذات الطابـع الشــخصي، المتعلقــة بالأشخاص الذاتييــن المغاربــة والأجانب المقيمين بالتراب الوطني بطريقة إلكترونية، مــن خــلال تجميعهــا وتســجيلها وحفظهــا وتحيينهــا وتغييرهــا عنــد الاقتضاء، ويهــدف هــذا الســجل، علــى الخصـوص، إلـى إتاحـة إمكانيـة التعرف على الأشخاص الراغبيــن فــي التقييــد فــي الســجل الاجتماعي الموحــد مـن أجـل الاستفادة مـن برامـج الدعـم الاجتماعي، التي تشـرف عليهـا الإدارات العموميـة والجماعـات الترابيـة والهيئـات العموميـة، بمـا فـي ذلـك التأكـد مـن هويتهـم والتثبــت مــن مصداقيــة المعلومــات والمعطيــات المتعلقــة بهــم.
كمــا تقــوم هــذه المنظومــة كذلــك علــى الســجل الاجتماعي الموحـد RSU الـذي يتم في إطاره تسـجيل الأسر قصــد الاستفادة مــن برامــج الدعـم الاجتماعي التـي تشـرف عليها الإدارات العموميــة والجماعــات الترابيـة والهيئـات العموميـة، وذلـك بنــاء علــى طلــب يقدمــه الشــخص المصـرح باسـم الأسرة، حيـث يمنـح لهــذه الأخيــرة تنقيــط بنــاء علــى المعطيات المرتبطة بظروفها الاجتماعية وفــق صيغــة حســابية محددة بالمرسوم المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحــد.
وفــي إطــار تســريع تنزيــل هــذه المنظومــة بشــكل يضمــن نجاعــة تفعيــل مكونــات مشــروع الحمايــة الاجتماعية تنفيذا للتعليمات الملكية السـامية، عملت الحكومــة منــذ تنصيبهــا علــى الرفــع مــن وتيــرة تنزيــل هــذه المنظومــة واســتكمالها مــع متــم ســنة 2023 عـوض سـنة 2025 كمـا كان محـددا فـي السـابق، وذلـك عبــر تســخير جميــع الإمكانيات الماليــة واللوجســتية لتعزيــز عمليــة التقييــد فــي الســجل الوطنــي للســكان والســجل الاجتماعي الموحــد، ويتعلــق الأمر خصوصــا بتأهيل وتجهيز مراكز خدمة المواطنين وتعبئة الموارد البشــرية اللازمة، وإنجــاز حملات تحسيســية للأسر حـول أهمية التسـجيل في السـجل الاجتماعي الموحد، وذلـك بالمـوازاة مـع إشـراك كافـة القطاعـات المعنيـة فـي المجهـودات الراميـة إلـى تشـجيع عملية التسـجيل للاستفادة مــن برامــج الدعــم.
ونتيجــة لذلــك، فقــد تمــت معاينــة تقــدم ملحــوظ فــي عملية تسـجيل المسـتهدفين فـي السـجلين، حيث بلغ عـدد المسـجلين إلـى حـدود نهايـة شـهر مـارس 2024 20,6 مليــون شــخص فــي الســجل الوطنــي للســكان و5,1 مليــون أســرة، أي مــا يعــادل 18 مليــون شــخص فــي الســجل الاجتماعي الموحــد.